إذ لا تنافي بين القول بأن الحسن بحكم العقل وبين عدم استحقاق العقاب.
فالعقول وإن قلنا بأن لها قابلية الادراك إلا أن إدراكها منحصر في الكليات ولا يتناول الأمور الجزئية كما لا يتناول مجالات التطبيق إلا نادرا، والكليات لا تستوعب شريعة ولا تفي بحاجات البشر ومع ذلك فالعقاب والثواب انما يتولدان عن التكاليف الواصلة، ومجرد إدراك العاقل أن هذا الشئ مما ينبغي ان يفعل أو لا يفعل، لا يستكشف منه رأي الشارع إلا إذا انتبه إلى أن العقلاء متطابقون على هذا المعنى بما فيهم الشارع، وإدراكه لتطابق العقلاء ليس من الأمور البديهية كما سبق أن قلنا، وإنما هو من الآراء المحمودة التي تحتاج إلى تنبه وتأدب، وأين التأدب في أمثال هذه القضايا قبل بعثة الرسل؟!
فالتكليف اذن، بالنسبة إلى نوع الناس غير واصل قبل البعثة، ولا تتم الحجة إلا بوصوله (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
ومن أوليات العقل تقبيحه للعقاب قبل وصول البيان، وعلى هذا فليس هناك ما يمنع من الالتزام بإدراك العقل للحسن وعدم الالتزام بالعقاب والثواب.
والذي يبدو من بعض الأحاديث أن هناك من أدرك حكم الشارع من طريق العقل وخالفه فاستحق لذلك العقاب، ففي بعض الأحاديث:
(امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار)، وفي بعضها الآخر (رأيت عمر بن لحي يجر قصبه - أي أمعاءه - في النار) لأنه أول من بحر البحائر وسيب السوائب. ومن المعلوم أنه لا عقاب بلا تكليف واصل اللهم إلا أن يدعى وصول التكليف إليهم من الرسل السابقين على الاسلام.
وعلى أي حال فالثواب والعقاب وليدا وصول التكاليف وإدراك تطابق