الرسل العقاب، وهذا مخالف لصريح الكتاب، يقول الله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (1))، ويقول: (ولولا ان تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى (2))، فإن احتجاج الكافرين برسالة محمد على إيقاع العذاب من غير إرسال رسل، لو فرض وقوعه، وعدم النكير من الله تعالى دليل على أنه لا عقاب ولا ثواب دون إرسال الرسل كما يدل على قوله تعالى:
(رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (3)) (4)).
وللإجابة على هذا الدليل وهو من أهم أدلتهم نحتاج إلى تمهيد أمور:
1 - التذكير بما سبق أن ذكرناه من أن موضع الخلاف في معنى الحسن والقبح هو المعنى الثالث، وهو إدراك العقل أن هذا الشئ مما ينبغي أن يفعل أو لا ينبغي، ومدح الفاعل أو ذمه على ذلك.
ولازم هذا الادراك الصادر منه - بما أنه عقل - هو تطابق العقلاء - بما أنهم عقلاء - على ذلك بما فيهم الشارع المقدس.
2 - إن إدراكنا لهذا اللازم وتصديقنا به، ليس هو من القضايا الضرورية، وإنما هو من الآراء المحمودة والتأديبات الصلاحية.
والقضايا التأديبية لا يجب أن يحكم بها العقل إذا لم يتأدب بقبولها والاعتراف بها بخلاف القضايا الضرورية التي يكفي في الحكم بها تصور طرفيها، ومقتضى ذلك أن الحكم بتطابق العقلاء في مسألة ما، يحتاج إلى تأدب به، ولا يجب ان يحكم به كل عاقل لو خلي ونفسه.
3 - التفرقة بين مدح الشارع وذمه - بما أنه سيد العقلاء - وبين ثوابه