للمصالح والمفاسد، وقد استقل العقل بثبوت المفسدة في مثل هذا الكذب، و معه كيف يحتمل تخلف حكم الشارع؟ وما ذكره من الموارد التي ثبت فيها المصلحة ولم يكن على طبقها حكم شرعي لا يرد نقضا على ما ذكرناه، فانا لا ننكر أنه يمكن أن تكون للمصالح والمفاسد النفس الأمرية موانع ومزاحمات، فان ذلك مما لا سبيل إلى إنكاره، وإنما ندعي أنه يمكن موجبة جزئية إدراك العقل لجميع الجهات من المقتضيات والموانع والمزاحمات. ودعوى أنه مع ذلك يحتمل أن يكون من الموارد التي سكت الله عنها مما لا يلتفت إليها، وكيف يكون مما سكت الله عنها مع أن العقل رسول باطني وقد استقل به!
وأما ما ذكره من الموارد التي كان هناك حكم ولم تكن مصلحة فهو مما لا يصغى إليه، فإنه لا يعقل حكم بلا مصلحة، غايته أن المصلحة قد تكون خفية لم يطلع عليها العقل.
وأضعف من ذلك كله دعوى الملازمة الظاهرية، فان احتمال المانع والمزاحم إن تطرق عند العقل فلا يكون مستقلا ولا حكم له بالقبح والحسن مطلقا لا واقعا ولا ظاهرا، وإن لم يتطرق فيستقل ويحكم بالملازمة الواقعية ولا معنى للملازمة الظاهرية، إلا أن تبتنى على قاعدة المقتضى والمانع الفاسدة من أصلها، كما سيأتي في محله (إن شاء الله تعالى) فتحصل: أنه لا سبيل إلى منع الملازمة بعد الاعتراف بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد وبعد الاعتراف بادراك العقل لتلك المصالح والمفاسد.