فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ٣٥٠
بلحاظ رفع الآثار والأحكام، فيقع الكلام حينئذ في أن المرفوع عموم الآثار أو بعضها؟ (1)
(1) أقول: ينبغي في شرح هذا المرام أن يقال: إنه بعد اختصاص " حديث الرفع " بما في وضعه خلاف الامتنان على الأمة لا رفع أثره مطلقا - إذ لا امتنان في رفع ما لا يكون في وضعه خلاف امتنان عليهم بل لو فرض الامتنان فيه فالمتيقن من " الحديث " رفع هذا المقدار لا كل رفع فيه امتنان وإن لم يكن في وضعه خلاف امتنان - فكان " حديث الرفع " من هذه الجهة نظير " لا ضرر " الغير الشامل للمقدم، مع أن نفى الحكم عنه منة عليه أيضا، فالخبر لا يكاد يشمل الخطأ والنسيان عن تقصيره وتمكنه من حفظه. نعم: لو بلغ حفظ تمكنه عن الوقوع في الأمور المزبورة إلى حد الحرج ربما يشمله " الحديث " إذ في وضعه عليه أيضا خلاف الامتنان عليه، ولذا يشمله عموم " لا حرج " أيضا.
ومن هنا ظهر الحال في " ما لا يطيقون " حرفا بحرف، كما أن الاضطرار في التكليفيات لا اختصاص في رفعه بصورة التمكن عن حفظه، إذ مع قصوره العقل لا يأبى عن فعلية التكليف واستحقاقه العقوبة، ولذا كان وضع التكليف في مورده خلاف الامتنان في حقه، فيشمله " الحديث " بخلاف العناوين السابقة، إذ مع قصورها يأبى العقل عن استحقاق العقوبة في موردها، فلا يكون التكليف في وضعه خلاف امتنان، وإنما يختص ذلك بصورة خاصة، كما أشرنا.
وأما في الوضعيات: فالظاهر أن رفع تأثير المعاملة عن المضطر إليها ولو قصورا خلاف امتنان في حقه، لأن في وضعه كمال الامتنان عليه، وعمدة النكتة فيه: أن في المعاملات المضطر بها الاضطرار دعاه إلى المعاملة، فأثر المعاملة بالواسطة تنسب إلى الاضطرار الذي هو مقتضيه، فيكون من الموارد التي يترتب الأثر على نفس العنوان باقتضائه و " حديث الرفع " أجنبي عن مثلها، وهذا بخلاف موارد الاضطرار على مخالفة التكليف، كما لا يخفى.
وأما المكره عليه: ففي التكليفيات لا مجال للأخذ باطلاق رفع الإكراه، كيف! ولو أكره على الزنا بتوعيده على أخذ مال قليل منه لا يكون ضرره حرجيا عليه - كالقران أو أقل منه - لم يلتزم أحد بجواز ارتكاب الزنا أو اللواط أو شرب الخمر، وهكذا لو كان توعيده بأمر مهم ولكن كان متمكنا عن دفعه بوجه يكره عليه إقدامه بلا حرج، فان هذا المقدار يكفي للحكم بفساد المعاملة لكونه مكرها، ومع ذا لا يكفي في التكليفيات جزما. نعم:
لا بأس بالاكتفاء بمطلق صدق الإكراه في المعاملات لأن في وضعه خلاف امتنان عليه.
لا يقال: إن في المقام أيضا الإكراه دعاه إلى المعاملة، فأثر المعاملة يحسب لعنوانه.
فإنه يقال: فرق بينه وبين الاضطرار، فان في الاضطرار كان الاضطرار مقتضيا لتحصيل مال لمعاش عياله، ولا يكون ذلك إلا بصحة المعاملة، وفى الإكراه ليس الأمر كذلك، بل هو مقتضى لعدم ترتب الأثر، لأنه مقتضى للطيب الذي هو من أجزاء المقتضى للصحة أو شرائطه، فيخرج مثل هذا الأثر من الآثار التي يكون العناوين المزبورة مقتضيا لها. وما هو مورد انصراف " حديث الرفع " مثل هذه الآثار، لا كل أثر ينسب إلى نفسه، ولو كان مفنيا لمقتضيه أو شرطه، وذلك أيضا عمدة النكتة الفارقة بين الإكراه والاضطرار.
ولئن شئت قلت: إن الاضطرار مرفوع في خصوص التكليفيات ما لم يكن حفظه حرجيا ولا يشمل المعاملات أبدا، والإكراه عليه مختص بالمعاملات ولا يشمل التكاليف أصلا. نعم: إذا بلغ بحد الحرج في ترك ارتكاب المكره عليه كان الأثر أيضا مرفوعا، لكن ذلك أيضا من جهة الحرج لا الإكراه، ولئن شئت فسمه الإكراه أيضا، ولكن لا إطلاق فيه، كما أشرنا.
ثم أن الأثر المرفوع في المكره ليس إلا صحة المعاملة لا الأحكام التكليفية المترتبة على الصحة، إذ هي أيضا خلاف امتنان في حق المشترى، لانتهائه إلى كونه مالكا بلا سلطنة، بخلاف المرفوع في البقية، فان المرفوع فيها نفس التكليف الواقعي المستتبع لنفى ايجاب التحفظ الواصل إلى حد الحرج المستتبع لنفى استحقاق العقوبة على مخالفتها.
ثم إن في رفع التكليف في باب الاضطرار وغيره لا فرق بين كون التكليف متعلقا بالوجود أو العدم وبين كون الاضطرار متعلقا بالوجود أو العدم، إذ مرجع الجميع إلى رفع التكليف عما اضطر على خلاف مقتضاه نفيا أو إثباتا، وسيجئ توضيح المقال في الحاشية الآتية.
وأما في " ما لا يعلمون " فالمرفوع فيه ما كان في ظرف الجهل، وليس هو إلا ايجاب الاحتياط، ولا مجال في المقام لتعلق الرفع بنفس التكليف الواقعي، حتى في صورة الانفتاح، إذ لا يكون ما في وضعه عليه خلاف امتنان، فله إبقاء حكم عقله بالاحتياط أو الفحص، فرفع هذا الحكم بقلب موضوعه، حيث إنه تعليقي، ولا يحتاج رفعه برفع نفس التكليف الواقعي، كما أنه في القاصر كان المرفوع ايجاب احتياطه شرعا بلا رفع التكليف الواقعي إلا عناية وتنزيلا. ونتيجة جميع المرفوعات بالأخرة رفع المؤاخذة عما كان لولا " حديث الرفع " ولئن تتأمل فيما ذكرنا ترى ما في كلمات الماتن المقرر مواقع النظر، فتدبر.