بقوله اعتدي يدل بمفهوم الموافقة على وقوعه بجميع هذه الألفاظ وما في معناها، وتبقى الكنايات التي لا تدخل في مفهوم الموافقة - بل إما مساوية لقوله اعتدي أو أخفى - مردودة لعدم الدليل.
ومنها قوله في الخبر خلية وبرية وبتة وبتلة ونحوها، وحينئذ نكون أعملنا جميع الأخبار المعتبرة مؤيدا بعموم الآيات والأخبار الدالة على الطلاق من غير تقييد، ولا يضرنا مفهوم الحصر في قوله " إنما الطلاق أن يقول: أنت طالق " لوجهين:
(أحدهما) أن الحصر في الصيغتين بطريق المطابقة، وفي غيرهما بطريق الالتزام فلا منافاة.
(والثاني) إمكان حمله على مجرد التأكيد بقرينة قوله في رواية الحلبي " الطلاق أن يقول لها " من غير أداة الحصر، ولا يرد على هذا حصر المبتدأ في خبره، لأن ذلك غير مطرد كما حقق في محله، وقد وقع استعمال " إنما " في الكلام الفصيح مجردا عن الحصر، وتقدم مثله في الأخبار، ولو قيل بهذا القول لكان في غاية القوة، وتوهم أنه خلاف الاجماع قد تكلمنا عليه غير مرة، انتهى.
أقول: لا ريب أن ما ذكره من لزوم صحة الطلاق بهذه الكنايات المذكورة لمن قال بصحته بلفظ اعتدي جيد، وأما أن ذلك صحيح كما ادعى قوته فهو ممنوع، وما تكلفه في منع الحصر في الأخبار المذكورة بعيد جدا، فإن المتأمل في سياقها لا يخفى عليه فهم الحصر منها، إذ لا يخفى أن قوله (عليه السلام) - بعد عد تلك الألفاظ المدعى وقوع الطلاق بها ليس بشئ - الطلاق أن يقول لها كذا وكذا في حال الطهر قبل المجامعة بشهادة عدلين أظهر ظاهر في إرادة الحصر، ويؤيده ذكر شروط صحة الطلاق الآخر من الشهادة على الطلاق، والانتقال من طهر المواقعة، وكونها طاهرا، فإن ذلك كله أدل دليل على أن المراد الحصر في هذا اللفظ مع اجتماع هذه الشروط، وتكلف خلاف ذلك بعيد عن سياق الأخبار