محمد بن مسلم والحلبي الصحيحتين أو الحسنتين، وحملهما الشيخ في كتابي الأخبار على أن لفظ اعتدي إنما يعتبر إذا تقدم قول الرجل أنت طالق ثم يقول اعتدي قال: لأن قوله لها اعتدي ليس له معنى لأن لها أن تقول: من أي شئ أعتد؟
فلا بد أن يقول اعتدي لأني طلقتك، فالاعتبار إذا بلفظ الطلاق لا بهذا القول إلا أنه يكون هذا القول كالكاشف عن أنه لزمها حكم الطلاق الموجب لها ذلك.
واعترضه الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع حيث إنهما ممن يدور مدار صحة الأسانيد بناء على هذا الاصطلاح المحدث، فمالا إلى قول ابن الجنيد لهذين الخبرين من حيث اعتبار سنديهما، فأجابا عن كلام الشيخ بما ملخصه: أنه لا يخفى ما فيه من البعد وشدة المخالفة للظاهر، لأنه (عليه السلام) جعل قوله اعتدي معطوفا على قوله أنت طالق ب " أو " المفيدة للتخير في إحدى الروايتين ومعطوفا عليه في الرواية الأخرى، فكيف ينحصر وقوعه بأحد اللفظين الذي خير بينه وبين اللفظ الآخر وقوله - رحمه الله - " أنه لا معنى لقوله اعتدي " غير جيد لأنه إذا نوى به الطلاق وحكم الشارع بحصول البينونة به يصير في معنى أنت طالق، فإذا قالت من أي شئ أعتد؟ يقول: من هذا الطلاق الواقع بهذا اللفظ، غاية الأمر أنها لم تفهم ذلك من قوله اعتدي، فسألت عنه، وذلك لا يوجب أن لا يكون له معنى، ولا يمكن الجواب عن هاتين الروايتين بالحمل على التقية لأن في إحدى الخبرين ما ينافي ذلك، وهو أنه لا يقع الطلاق بقوله أنت حرام أو بائنة أو برية أو خلية، فإن الطلاق عند المخالفين يقع بجميع ذلك مع النية، انتهى.
أقول: لا ريب أن ظاهر الروايتين المذكورتين هو الدلالة على مذهب ابن الجنيد، ومقتضى العمل بهذا الاصطلاح المحدث القول بما دل عليه هذان الخبران لأنهما أصح أخبار المسألة، ولكن الأصحاب قديما وحديثا قد اعترضوا عنهما، ولم يقل بهما من المتقدمين إلا ابن الجنيد الذي قد علم من تتبع أحواله وأقواله الميل إلى مذهب المخالفين والعمل بأخبارهم والاستناد إليها والاستدلال بها،