فيما سلف من هذا الكتاب، والعبارة الجامعة لها مع السابقة أن يقال: ما لا يلزمه في حال الطواعية لا يصح منه إذا أتى به مكرها. وما يلزمه في حال الطواعية يصح مع الاكراه عليه، ولا يخلو الحكم بإسلام الكافر مع إكراهه عليه من غموض من جهة المعنى، وإن كان الحكم به ثابتا من فعل النبي صلى الله عليه وآله فما بعده، لأن كلمتي الشهادة نازلتان في الاعراب عما في الضمير منزلة الاقرار، والظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنه كاذب، لكن لعل الحكمة فيه أنه مع الانقياد ظاهرا وصحبة المسلمين والاطلاع على دينهم يحصل له التصديق القلبي تدريجا، فيكون الاقرار اللساني سببا في التصديق القلبي، إنتهى.
أقول: لا ريب أن محل الاشكال عنده هنا إنما هو إسلام المنافقين المقرين بمجرد اللسان مع عدم التصديق القلبي، والأخبار قد دلت على أن فائدة هذا الاسلام إنما هو بالنسبة إلى الأمور الدنيوية من حقن الدم والمال والطهارة، وجواز المناكحة ونحو ذلك، وأما بالنسبة إلى الآخرة فإنهم من أهل النار والاكراه حينئذ إنما تعلق بإظهاره وإن كان كاذبا بحسب الواقع، وهذا مما لا غموض فيه، ويصير من قبيل الاكراه على الحقوق الواجبة كأداء الدين ونحوه، فإنه كما يجب على المديون أداء ما يلزمه شرعا كذلك يجب على الكافر الانقياد بهذا الدين والدخول فيه، وإن كان الأول حقا لغيره سبحانه، والثاني حقا له جل شأنه.
بقي الكلام في أنه مع عدم تصديقه بالاسلام واعتقاده له وإذعانه به فالفائدة في مجرد إظهاره لأجل هذه الأمور الدنيوية قليل الجدوى.
والجواب عن ذلك أن عليه السلام الفائدة فيه (أولا) إعراضه عن المنازعة والمقاومة بالحرب لهذا الدين وأهله، وهي من أهم الفوائد.
(وثانيا) ما ذكره شيخنا المذكور من رجاء دخوله في هذا الدين وتصديقه به، وتدل عليه الأخبار الواردة في تألف النبي صلى الله عليه وآله منافقي قريش بدفع