أحدهما: أن يضمر - ومنهم الذين اتخذوا - كقوله [تعالى]: أكفرتم، المعنى: فيقال لهم: أكفرتم.
والثاني: أن يضمر الخبر بعد، كما أضمر في قوله [تعالى]: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام) المعنى: ينتقم منهم ويعذبون. قال أهل التفسير: لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قباء، وبعثوا إلى رسول الله، فأتاهم، فصلى فيه، حسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف، وكانوا من منافقي الأنصار، فقالوا: نبني مسجدا، ونرسل إلى رسول الله فيصلي فيه، ويصلي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر، فلما قدم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] المدينة، عاداه، فخرج إلى الشام، وأرسل إلى المنافقين أن أعدوا ما استطعتم من قوة وسلاح، وابنوا لي مسجدا، فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم فأخرج محمدا وأصحابه، فبنوا هذا المسجد إلى جنب مسجد قباء، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا: خذام بن خالد ومن داره أخرج المسجد، ونبتل بن الحارث، وبجاد بن عثمان، وثعلبة بن حاطب، ومعتب ابن قشير، وعباد بن حنيف، ووديعة بن ثابت، وأبو حبيبة بن الأزعر، وجارية بن عامر، وابناه يزيد ومجمع، وكان مجمع إمامهم فيه، ثم صلحت حاله، وبحزج جد عبد الله بن حنيف، وهو الذي قال له رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: " ما أردت بما أرى "؟ فقال: والله ما أردت إلا الحسنى، وهو كاذب. وقال مقاتل: الذي حلف مجمع. وقيل: كانوا سبعة عشر، فلما فرغوا منه، أتوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقالوا: إنا قد ابتنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي فيه، فدعا بقميصه ليلبسه، فنزل عليه القرآن وأخبره الله خبرهم، فدعا معن بن عدي، ومالك بن الدخشم في آخرين، وقال: " انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدموه وأحرقوه "، وأمر به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف. ومات أبو عامر بالشام وحيدا غريبا.
فأما التفسير، فقال الزجاج: " الذين " في موضع رفع، المعنى: ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا. و " ضرارا " انتصب مفعولا له، المعنى: اتخذوه للضرار والكفر والتفريق والإرصاد. فلما حذفت اللام، أفضى الفعل فنصب. قال المفسرون: والضرار بمعنى المضارة لمسجد قباء، (وكفرا) بالله ورسوله (وتفريقا بين المؤمنين) لأنهم كانوا يصلون في مسجد قباء جميعا، فأرادوا تفريق جماعتهم، والإرصاد: الانتظار، فانتظروا به مجئ أبي عامر، وهو الذي