والثاني: وما كان الله ليعذبهم وأنت حي، قاله أبو سليمان.
والثاني: أن المشار إليهم المؤمنون، والمعنى: وما كان الله ليعذب المؤمنين بضرب من العذاب الذي أهلك به من قبلهم وأنت حي، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
فصل قال الحسن، وعكرمة: هذه الآية منسوخة بقوله [تعالى]: (وما لهم ألا يعذبهم الله)، وفيه بعد، لأن النسخ لا يدخل على الأخبار. وقال ابن أبزى: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فأنزل الله عز وجل (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فخرج إلى المدينة، فأنزل الله (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) وكان أولئك البقية من المسلمين بمكة يستغفرون! فلما خرجوا أنزل الله (وما لهم ألا يعذبهم الله). وجميع أقوال المفسرين تدل على أن قوله: [تعالى]: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)، كلام مبتدأ من إخبار الله عز وجل. وقد روي عن محمد بن إسحاق أنه قال: هذه الآية من قول المشركين، قالوا: والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر، فرد الله تعالى: عليهم ذلك بقوله:
(وما لهم ألا يعذبهم الله).
قوله تعالى: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) وفي معنى هذا الكلام خمسة أقوال:
أحدها: وما كان الله معذب المشركين، وفيهم من قد سبق له أن يؤمن، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، واختاره الزجاج.
والثاني: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون الله، فإنهم كانوا يلبون ويقولون: غفرانك، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا، وفيه ضعف، لأن استغفار المشرك لا أثر له في القبول.
والثالث: وما كان الله معذبهم، يعني المشركين، وهم - يعني المؤمنين الذين بينهم - يستغفرون، روي عن ابن عباس أيضا، وبه قال الضحاك، وأبو مالك. قال ابن الأنباري: وصفوا بصفة بعضهم، لأن المؤمنين بين أظهرهم، فأوقع العموم على الخصوص، كما يقال: قتل أهل المسجد رجلا، وأخذ أهل البصرة فلانا، ولعله لم يفعل ذلك إلا رجل واحد.
والرابع: وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر [الله]، قاله مجاهد. قال ابن الأنباري:
فيكون معنى تعذيبهم: إهلاكهم، فالمعنى: وما كان الله مهلكهم، وقد سبق في علمه أنه يكون لهم أولاد يؤمنون به ويستغفرونه، فوصفهم بصفة ذراريهم، وغلبوا عليهم كما غلب بعضهم على كلهم في الجواب الذي قبله.
والخامس: أن المعنى لو استغفروا لما عذبهم الله، ولكنهم لم يستغفروا فاستحقوا العذاب، وهذا كما تقول العرب: ما كنت لأهينك وأنت تكرمني، يريدون: ما كنت لأهينك لو أكرمتني، فأما إذ لست تكرمني، فإنك مستحق لإهانتي، وإلى هذا القول ذهب قتادة والسدي. قال ابن الأنباري: