" الوقر ": ثقل السمع، يقال: في أذنه وقر، وقد وقرت الأذن، توقر.
قال الشاعر:
وكلام سئ قد وقرت * أذني عنه وما بي من صمم والوقر، بكسر الواو، أن يحمل البعير وغيره مقدار ما يطيق، يقال: عليه وقر، ويقال: نخلة موقر، وموقرة، وإنما فعل ذلك بهم مجازاة لهم بإقامتهم على كفرهم، وليس المعنى أنهم لم يفهموه، ولم يسمعوه، ولكنهم لما عدلوا عنه، وصرفوا فكرهم عما عليهم في سوء العاقبة، كانوا بمنزلة من لم يعلم ولم يسمع. (وإن يروا كل آية) أي: كل علامة تدل على رسالتك، (لا يؤمنوا بها).
ثم أعلم الله عز وجل مقدار احتجاجهم وجدلهم، وأنهم إنما يستعملون في الاحتجاج أن يقولوا: (إن هذا)، أي: ما هذا (إلا أساطير الأولين) وفيها قولان:
أحدهما: أنها ما سطر من أخبارهم وأحاديثهم. روى أبو صالح عن ابن عباس قال: أساطير الأولين: كذبهم، وأحاديثهم في دهرهم. وقال أبو الحسن الأخفش: يزعم بعضهم أن واحدة الأساطير: أسطورة. وقال بعضهم: أسطارة، ولا أراه إلا من الجمع الذي ليس له واحد، نحو عباديد ومذاكير، وأبابيل. وقال ابن قتيبة: أساطير الأولين: أخبارهم وما سطر منها، أي: ما كتب، ومنه قوله [تعالى]: (ن. والقلم وما يسطرون) أي: يكتبون، واحدها سطر، ثم أسطار، ثم أساطير جمع الجمع، مثل قول، وأقوال، وأقاويل.
والقول الثاني: أن معنى أساطير الأولين: الترهات. قال أبو عبيدة: واحد الأساطير: أسطورة، وإسطارة، ومجازها مجاز الترهات. قال ابن الأنباري: الترهات عند العرب: طرق غامضة، ومسالك مشكلة، يقول قائلهم: قد أخذنا في ترهات البسابس، يعني: قد عدلنا عن الطريق الواضح إلى المشكل، وعما يعرف إلى مالا يعرف. و " البسابس ": كما الصحاري الواسعة، والترهات: طرق تتشعب من الطريق الأعظم، فتكثر وتشكل، فجعلت مثلا لما لا يصح وينكشف.
فإن قيل: لم عابوا القرآن بأنه أساطير الأولين، وقد سطر الأولون ما فيه علم وحكمة، وما لا عيب على قائله؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أنهم نسبوه إلى أنه ليس بوحي من الله.
والثاني: أنهم عابوه بالإشكال والغموض، استراحة منهم إلى البهت والباطل. فعلى الجواب الأول تكون " أساطير " من التسطير، وعلى الثاني تكون بمعنى الترهات، وقد شرحنا معنى الترهات.