والرواية مرسلة لكنها معتضدة بأحاديث كثيرة يعضدها عمل الأصحاب والاعتبار وأنت خبير بما فيه وقال الشهيد في الذكرى كل خبر فيه غيبوبة القرص محمول على ذهاب الحمرة حملا للمطلق على المقيد والجواب ان هذا الحمل انما يتعين إذا انحصر طريق الجمع فيه وانما يصح إذا لم يكن في المقام حمل أقرب منه وغير خاف ان ابقاء الأخبار الصحيحة الواضحة الدالة على أن أول الوقت استتار القرص وارتكاب تأويل الاستحباب فيما رواه مما ليس مثلها في القوة والصحة أقرب ثم استشهد الشهيد لاعتبار ذهاب الحمرة بما رواه الكليني عن ابن أبي عمير مرسلا عن الصادق عليه السلام قال وقت سقوط القرص ووجوب الافطار ان تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق إذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص قال وهذا صريح في أن زوال الحمرة علامة سقوط القرص ومراسيل ابن أبي عمير في قوة المسانيد وتبعه في ذلك الشيخ علي ولا يخفى ان جهة التوقف في هذا الخبر ليس منحصرا في ارسال ابن أبي عمير وقبول مرسلاته انما تنفع لو صح السند إليه والامر ليس كذلك لان في طريقه إلى ابن أبي عمير سهل بن زياد ومحمد بن عيسى وجهة التوقف فيهما معلوم والشارح الفاضل زعم وجود اخبار صحيحة دالة على اعتبار الحمرة ونقل منها قول الباقر عليه السلام المذكور في رواية بريد وقول الصادق عليه السلام المذكور في مرسلة ابن أبي عمير ثم قال وهذا الحديث دل على أن سقوط الحمرة علامة سقوط القرص وهو موافق للاعتبار فان المراد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس سقوطه عن الأفق المغربي لاخفاءها عن أعيننا لان ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض والماء ونحوهما فان الأفق المغربي غير مرئى غالبا ولا يخفى ضعف هذا الكلام إما أولا فلما عرفت من الكلام في صحة الروايتين واما ثانيا فلان غيبوبة الشمس عن الأفق الحقيقي في الأرض المستوية حسا انما يتحقق بعد غيبوبتها عن الحس بمقداره دقيقة تقريبا وهذا أقل من ذهاب الحمرة المشرقية بكثير فموافقة الخبر للاعتبار منظور فيه احتج ابن أبي عقيل على ما نقل عنه المصنف في المختلف بصحيحة إسماعيل بن همام قال رأيت الرضا عليه السلام وكنا عنده لم يصل المغرب حتى ظهرت النجوم قال فصلى بناء على باب دار أبي محمود وأجاب انه حكاية فعل فلعله عليه السلام فعل ذلك لعذر لا انه وقت موظف ويمكن الحمل على الاستحباب أيضا ولا يخفى ان رواية محمد بن علي السابقة انسب بمذهب ابن أبي عقيل وقد مر الجواب عنه ومما ذكرنا ظهر ان القول بدخول الوقت باستتار القرص واستحباب التأخير إلى ذهاب الحمرة قوي فان قلت ما الوجه في صحيحة بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأله سائل عن وقت المغرب فقال إن الله تعالى يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام فلما جن عليه الليل رأى كوكبا فهذا أول الوقت وصحيحة إسماعيل بن همام السابقة في احتجاج ابن أبي عقيل وصحيحة زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن وقت افطار الصائم قال حين يبد وثلاثة أنجم قلت إما الأولى فالوجه فيه الحمل على الاستحباب وشهد له رواية شهاب بن عبد ربه السابقة وكذا الثالثة واما الثانية فيجوز ان يكون تأخيره عليه السلام للاستحباب ويجوز ان يكون الغرض منه بيان الترخيص فان قلت فما وجه الجمع بين هذه الأخبار وبين مرسلة محمد بن أبي حمزة عمن ذكره عن الصادق عليه السلام قال قال ملعون من اخر المغرب طلبا لفضلها وموثقة صباح بن سبابة وأبي أسامة السابقة الدالة على انكار تأخير المغرب إلى طلوع الكواكب وموثقة أبي أسامة السابقة الدالة على منع تأخيرها حتى تستبين النجوم قلت قد ورد في اخبار متعددة انكاره عليه السلام تأخير أبي الخطاب صلاة المغرب ففي بعضها حتى تغيب الشفق وفي بعضها حتى تشتبك النجوم وفي بعضها ان الانكار باعتبار أذاع ذلك وأنشأه وكان الغرض خفاء ذلك لكونه مخالفا لمذهب العامة وطريقتهم كما يفهم ذلك من رواية جارود وإذا عرفت هذا فيمكن ان يقال التأخير في رواية ابن أبي حمزة مقيد بأحد الصور المذكورة فيكون المعنى ملعون من اخر المغرب على أحد الوجوه المذكورة كما هو عادة أبي الخطاب وأصحابه وحينئذ يحتمل ان يكون الموصول للعموم ويمكن ان يكون ورود ذلك في زمان اشتدت التقية فلزم الأمران عن التأخير ودفع الذم البالغ على المخالفة أو قاله عليه السلام تقية واما خبر أبي أسامة فقل قيل في توفيقه وجوه أحدها ان يكون المراد من قوله تستبين النجوم معنى تشتبك بقرينة نسبة الفعل إلى أبي الخطاب وقد ورد في صحيحة ذريح (زريح) حكاية التأخير إلى اشتباك النجوم عن أصحاب أبي الخطاب وربما كان ذلك مرادا في اللفظ أيضا فصحف لما بين اللفظين ذا لحظ من التقارب الثاني ان يكون المراد بالاستبانة زيادة الظهور بمعونة زيادة مباني الفعل وهو معنى زائد على أصل حصوله المستفاد من خبر ابن همام الثالث ملاحظة التقية وهو حسن واما موثقة صباح وأبي أسامة أيضا وانما ارتكبنا التأويل في هذه الأخبار دون الاخبار الأولة لقوة الاخبار الاسناد أفيضعف هذه الأخبار عن مقاومتها ولكون هذه الأخبار قبل للتأويل ثم لا يخفى ان المراد باشتباك النجوم ظهور الجميع أو كثرة اختلاط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها قاله ابن أثير وعلى هذا فلا منافاة بين خبر إسماعيل بن همام وبين ما دل على انكار تأخير المغرب حتى تشتبك النجوم على أن يكون المراد بظهور النجوم إرادة العدد القليل الذي يصدق معه مسمى الجميع على سبيل المجاز وهو في قوة روية الكوكب أو كان المراد ظهور الا يصل إلى حد الاشتباك فان قلت موثقة ليث السابقة المنقولة عن علل الشرائع تدل على رجحان صلاة المغرب في أول الوقت وكذا ما سيجيئ من الأخبار الدالة على أن للمغرب وقتا واحدا وهذا ينافي ما اخترت من استحباب التأخير فما وجه الجمع قلت لعل المراد برواية ليث ان النبي صلى الله عليه وآله إذا غربت الشمس لا يشتغل بشئ بل كان في تهية صلاة المغرب وانتظار فعله وكان همه ذلك وهذا غير مناف للتأخير واما ما دل على أن للمغرب وقتا واحدا فسيجيئ تحقيقه على وجه ترتفع المنافاة واعلم أن الشهيد في الذكرى نقل روايتي بكر بن محمد وإسماعيل بن همام وقال إنها نادرة ومحمولة على وقت الاشتباه أو الضرورة ان على مدها حتى يظهر النجوم فيكون فراغه عند ذلك كما قاله الشيخ ويعارضه خبر أبي أسامة ثم نقل مرسلة ابن أبي حمزة وأورد عده اخبار تتضمن انكار تأخير المغرب إلى ذهاب الشفق ويرد عليه ان حديث بكر بن محمد غير قابل لشئ من التأويلات التي ذكرها ولا لها به مناسبة بوجه وخبر إسماعيل محتمل لحمل الضرورة على بعد وفي معناهما حديث شهاب بن عبد ربه لكنه قابل للحمل على الفراغ لا الشروع على بعد وقد يظن أنه صريح في الحكم غير قابل للتأويل واما مرسلة ابن أبي حمزة فقد ظهر الوجه وكذا معارضة خبر أبي أسامة واما ما يتضمن انكار تأخير المغرب إلى ذهاب الشفق فلا يعارض الأخبار السابقة بوجه وقال بعض المتأخرين بعد نقل صحيحة بكر بن محمد ويمكن حملها على وقت الاشتباه كما يشعر به رواية علي بن الريان قال كتبت إليه الرجل يكون في الدار يمنعه حيطانها النظر إلى حمرة المغرب ومعرفة مغيب الشفق ووقت صلاة العشاء الآخرة متى يصليها وكيف فوقع عليه يصليها إذا كان على هذه الصفة عند قصر النجوم والعشاء عند اشتباكها وبياض مغيب الشفق وذكر الشيخ في التهذيب ان معنى قصر النجوم بيانها ولا يخفى بعد هذا الحمل وعدم مناسبتها ثم لا يخفى ان المفهوم من كلام الشيخ في المبسوط وحصول الاستناد ودخول الوقت وان بقى شعاع الشمس على رؤوس الجبال والمنارة العالية وقال المصنف في التذكرة هو اي الغروب ظاهر في الصحاري واما في العمران والجبال فيستدل عليه بان لا يبقى شئ من الشعاع على رؤوس الجدران وقلل الجبال وهو حسن وان أمكن المنازعة فيه الثانية المشهور بين الأصحاب امتداد وقت المغرب للمختار إلى انتصاف الليل مقدار العشاء على الخلاف السابق نظيره في الظهرين وهو اختيار ابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس وجمهور المتأخرين ونقل ابن زهرة اجماع الفرقة عليه وقال المفيد اخر وقتها غيبوبة الشمس وهو الحمرة في المغرب والمسافر إذا جد به السير عند المغرب فهو في سعة من تأخيرها إلى ربع الليل وبنحو منه قال الشيخ في النهاية وقال ابن حمزة وهو المنقول عن أبي الصلاح وقال في الخلاف اخره غيبوبة الشفق وأطلق وكذا في الجمل على ما حكى (عنهما وهو المحكي)
(١٩٣)