ومباح طيب ولا ملامة فيه ولا مأثم وكل ما كان فيه اللوم والاثم فليس زواجا ولا ملكا مباحا للوطئ ولا كرامة بل هو العدوان والزنا المجرد لا شئ الا فراش أو عهر حرام فان وجد لنا يوما ما أن نقول نكاح فاسد أو زواج فاسد أو ملك فاسد فإنما هو حكاية أقوال لهم وكلام على معانيهم كما قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)، وكما قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (والله يستهزئ بهم)، وقد علم المسلمون أن الجزاء ليس بسيئة وان القصاص ليس عدوانا وأن معارضة الله تعالى على الاستهزاء ليس مذموما بل هو حق فصح من هذا أن كل عقد لم يأمر به الله تعالى فمن عقده فهو باطل وان وطئ فيه فإن كان عالما بالتحريم عالما بالسبب المحرم فهو زان مطلق، وهكذا القول فيمن نكح نكاح متعة أو شغار أو موهوبة أو على شرط ليس في كتاب الله تعالى أو بصداق لا يحل. من جهل التحريم في شئ من ذلك بأن لم تبلغه أو بتأويل لم تقم عليه الحجة في فساده فهو معذور لا حد عليه ومن قذفه فعليه الحد كمن دخل بلدا فتزوج امرأة لا يعرفها فوجدها أمه أو ابنته فهذا يلحق فيه الولد ولا يحد فيه حد بالاجماع * وبهذا بطل قول أبي حنيفة المذكور. وقول مالك الذي وصفنا في وطئ الحريمة بملك اليمين والعجب كل العجب من احتجاج بعض من لقيناه من المالكيين بقوله تعالى:
(إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) (قيل لهم): ان كنتم تعلقتم بهذه الآية في إلحاق الولد بمن وطئ عمته وخالته وذوات محارمه فإنها من ملك اليمين فأبيحوا الوطئ المذكور وأسقطوا عنه الملامة جملة فهذا هو نص الآية فلو فعلوا ذلك لكفروا بلا خلاف من أحد وإذ لم يفعلوا ذلك ولا أسقطوا الملامة ولا أباحوا له ذلك فقد ظهر تمويههم في إيراد هذه الآية في غير موضعها * قال أبو محمد رحمه الله: (فان قال قائل): فأنتم تقولون إن المملوكة الكتابية لا يحل وطئها وإن وطئها فلا حد عليه والولد لاحق فما الفرق بين هذا وبين من وطئ أحدا من ذوات محارمه التي ذكرنا فأوجبتم في كل هذا حد الزنا ولم تلحقوا الولد، (قلنا): ان الفرق في ذلك هو أن الله تعالى أباح ملك اليمين جملة وحرم ذوات المحارم بالنسب والرضاع والصهر والمحصنات من النساء تحريما واحدا مستويا فحرمت أعيانهن كلهن تحريما واحدا ولم يحل منهن لمس ولا رؤية عرية ولا تلذذ أصلا لأنهن محرمات الأعيان، وقال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فإنما حرم فيهن النكاح فقط والنكاح ليس الا عقد الزواج أو الوطئ فقط فإذا ملكناهن فلم تحرم علينا أعيانهن إذ لا نص في ذلك ولا اجماع وإنما حرم وطئهن فقط وبقي سائر ذلك على