قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * قال أبو محمد رحمه الله: فجاء النص كما ترى ولم يختلف أحد من أهل القبلة في أن حكم الزاني الحر غير المحصن والزانية الحرة غير المحصنة وإنما اختلف الناس في هل عليها نفي كما ذكرنا أم لا؟ وهذا باب قد تقصيناه في أبواب مجموعة صدنا بها قبل كلامنا في المرتدين ذكرنا فيها كل حكم يختص به حدان من الحدود فصاعدا وتقصينا هنالك الآثار بأسانيدها ونذكرها هنا إن شاء الله تعالى جملة مختصرة من ذلك وبالله تعالى التوفيق * فنقول إنه قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " وصح عنه عليه السلام من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام * وعن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بأن ينفى عاما مع إقامة الحد عليه وصح أنه عليه السلام قال للذي زنى ابنه بامرأة مستأجره: على ابنك جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأة هذا الرجم "، وصح أن عمر بن الخطاب جلد امرأة زنت مائة جلدة وغربها عاما، وروي أيضا مثل ذلك عن علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ولم يرو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف ذلك الا رواية عن علي ليس على أم الولد نفي وإنما قال في البكرين يزنيان حسبهما من الفتنة أن ينفيا، وعن ابن عباس من زنى جلد وأرسل * قال أبو محمد رحمه الله: فليس قول ابن عباس من زنى جلد وأرسل دليلا على أنه لا يوجب النفي عنده بل قد يكون قوله وأرسل يريد به أن يرسل إلى بلد آخر، وكذلك قول علي حسبهما من الفتنة أن ينفيا يخرج على ايجاب النفي وأن ذلك حسبهما من البلاء * قال الله تعالى:
(ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) إلى قوله تعالى: (وليعلمن الكاذبين) والرواية عنه في أن أم الولد لا تنفى إذا زنت لا تصح على ما ذكرنا قبل * قال أبو محمد رحمه الله: وكلا القولين دعوى بلا برهان ومن عجائب الدنيا أن يجعلوا الأربعين التي زادها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حد الخمر على سبيل التعزير حدا واجبا مفترضا وهو رضي الله عنه يجلد مرة أربعين، مرة ستين، ومرة ثمانين، وكذلك عثمان بعده، وعلي، وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم ثم يأتون إلى حد افترضه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فيجعلونه تعزيرا كل ذلك جرأة على الدعوى بلا برهان،