عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنه كان واليا على الأمة.
وكيف كان، فظاهر الأمر الوجوب، ويجب على الأمة الأخذ به، ولا يختص بزمانه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو على الاحتمال الثاني، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولى المؤمنين وأولى بهم إلى يوم القيامة. ومقتضى وجوب البيع حرمة الحبس والاحتكار، مضافا إلى التصريح به.
3 - وروى الكليني بسند صحيح عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام ويتربص به، هل يصلح ذلك؟ قال: " إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به. وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام. " ورواه الشيخ أيضا عنه. (1) ولفظ الكراهة بحسب اللغة، واصطلاح الكتاب والسنة أعم من الحرمة والكراهة المصطلحة عند الفقهاء. بل لعل ظهورها في الحرمة كان أقوى، كما هو ظاهر لمن تتبع موارد استعمال اللفظ في الكتاب والسنة، كقوله - تعالى -: " وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان، " (2) وقوله في سورة الإسراء - بعد النهي عن مثل الزنا، وقتل الأولاد، وأكل مال اليتيم ونحو ذلك -: " كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها. " (3) ونحو ذلك.
وحينئذ فإذا دل دليل على كون عمل مكروها للشارع المقدس فلا يجوز ارتكابه إلا إذا ورد دليل على الترخيص فيه. نظير ما ذكروه في باب النهي. وحيث إنه (عليه السلام) نفى البأس في الجملة الأولى، والجملة الثانية تكون بيانا لمفهوم الأولى، صار قوله: " فإنه يكره " بمنزلة أن يقول: " فيه بأس " وظاهره الحرمة أيضا، فتأمل.
هذا، مضافا إلى أن ترك الناس بلا طعام مما يحكم العقل بقبحه، والحكم بجوازه بعيد من مذاق الشرع جدا. فكأن الإمام (عليه السلام) ذكر الجملة للتعليل بأمر ارتكازي يدركه العقل، فتدبر.