وظهور هذه الأخبار في الحرمة أيضا واضح.
وهل تعارض هذه الروايات للطائفة الأولى المطلقة فتحمل الأولى عليها حمل المطلق على المقيد، أو يكون ذكر الطعام في هذه الروايات من باب الغلبة، حيث إن الطعام من أظهر ما يحتاج إليه الإنسان ومن أظهر ما شاع فيه الحبس ويكون حبسه موجبا للضيق والشدة المأخوذين في مفهوم الحكرة؟ وإن شئت قلت: إن المفهوم في هذه الروايات من قبيل مفهوم اللقب ولا حجية له؟ وجهان. ولعل الثاني هو الأظهر.
وحمل المطلق على المقيد إنما يكون مع إحراز وحدة الحكم; كما في قوله: " إن ظاهرت فأعتق رقبة "، وقوله: " إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة. "، حيث إنه بسبب وحدة السبب يحرز وحدة الحكم، وليس المقام كذلك لاحتمال حرمة الاحتكار مطلقا، وشدة الحرمة في مثل الطعام لكون الاحتياج فيه أظهر. هذا مع قطع النظر عن سائر الطوائف من الأخبار الناهية الآتية.
ثم إنه هل يراد بالطعام مطلق ما يطعم من الأقوات والأغذية، فيعم جميع الغلات الأربع وغيرها من الأرز والذرة ونحوهما، أو يراد به خصوص الحنطة، لعدها من معانيه في اللغة ولاستعماله فيها في بعض الأخبار؟ وجهان:
قال ابن الأثير في النهاية:
" الطعام عام في كل ما يقتات من الحنطة والشعير والتمر وغير ذلك... وفي حديث أبي سعيد: كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير، قيل: أراد به البر... و قال الخليل: إن العالي في كلام العرب أن الطعام هو البر خاصة. " (1) أقول: وفسر الطعام المذكور في قوله - تعالى -: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " (2) في أخبارنا بالحبوب والبقول وبالعدس والحمص وغير ذلك، فراجع