والمحتسب الجاهل إن خاض فيما لا يعلمه كان ما يفسده أكثر مما يصلحه، ولهذا قالوا: العامي لا يحتسب إلا في الجليات... (1) 11 - وأما ما تعلق بالمحظورات فهو أن يمنع الناس من مواقف الريب ومظان التهم، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. " فيقدم الإنذار، ولا يعجل بالتأديب قبل الإنذار.
حكى إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب نهى الرجال أن يطوفوا مع النساء، فرأى رجلا يصلى مع النساء فضربه بالدرة، فقال له الرجل: والله لئن كنت أحسنت لقد ظلمتني، ولئن كنت أسأت فما أعلمتني. فقال عمر: أما شهدت عزيمتي؟ قال: ما شهدت لك عزمة، فألقى إليه الدرة وقال: اقتص. قال: لا أقتص اليوم، قال: فاعف. قال: لا أعفو، فافترقا على ذلك ثم لقيه من الغد فتغير لون عمر...
وإذا رأى وقفة رجل مع امرأة في طريق سابل لم تظهر منهما أمارات الريب لم يتعرض عليهما بزجر ولا إنكار، فما يجد الناس بدا من هذا. وإن كانت الوقفة في طريق خال فخلوا بمكان ريبة فينكر على هؤلاء، ولا يعجل في التأديب عليهما حذرا من أن تكون ذات محرم، وليقل إن كانت ذات محرم فصنها عن مواقف الريب وإن كانت أجنبية فخف الله - تعالى - من خلوة تؤديك إلى معصية الله - تعالى -...
ويلزم المحتسب أن يتفقد المواضع التي يجتمع فيها النسوان مثل سوق الغزل والكتان وشطوط الأنهار وأبواب حمامات النساء وغير ذلك، فإن رأى شابا متعرضا بامرأة و يكلمها في غير معاملة في البيع والشراء أو ينظر إليها عزره ومنعه من الوقوف هناك، فكثير من الشباب المفسدين يقفون في هذه المواضع وليس لهم حاجة غير التلاعب على النسوان، فمن وقف من الشباب في طريقهن بغير حاجة عزره على ذلك. (2)