" إن الفرق بينهما عند القوم يكون في ناحية المكلف، بتقريب أن المكلف في العيني هو جميع الأفراد بنحو العموم الاستغراقي، فيكون كل فرد مكلفا بالاستقلال. وأما في الكفائي فعند البعض هو المجموع من حيث المجموع، وعند آخرين أحد الأفراد.
ويرد على الأول أن المجموع من حيث المجموع أمر اعتباري لا حقيقة له، فلا يتصور تكليفه. وعلى الثاني أن أحد الأفراد إن أريد مفهومه ففيه أنه غير قابل للتكليف، وإن أريد به مصداقه أعني الفرد المردد خارجا ففيه أنه لا خارجية له حتى يتوجه إليه البعث.
فالتحقيق أن الوجوب له ثلاث إضافات: إضافة إلى الطالب، وإضافة إلى المطلوب، و إضافة إلى المطلوب منه. والفرق بين العيني والكفائي ليس في المكلف والمطلوب منه كما يظهر من القوم، ولا في إطلاق الوجوب واشتراطه كما في الكفاية. بل الفرق بينهما بعد اشتراكهما في كون كل فرد مكلفا مستقلا إنما يكون في المطلوب والمكلف به.
فالمطلوب في الوجوب الكفائي هو نفس طبيعة الفعل بإطلاقها الذاتي، وفي العيني طبيعة الفعل بقيد صدورها من هذا الفاعل الخاص.
والسر في ذلك أن الأوامر تابعة للمصالح والأغراض، فإن كانت المصلحة في صدور الفعل عن كل واحد من المكلفين بحيث تترتب المصلحة على الفعل بقيد صدوره عن الفاعل الخاص كما في الأمر الصلاتي حيث إن تكامل الشخص وارتداعه عن الفحشاء والمنكر يترتبان على صلاة نفسه فحينئذ يكون الوجوب عينيا.
وإن كانت المصلحة في مجرد تحقق طبيعة الفعل في الخارج من غير دخالة لصدورها عن فاعل خاص كما في دفن الميت وتجهيزه فحينئذ يتعلق التكليف بنفس الطبيعة بإطلاقها الذاتي ويكون الواجب كفائيا، إذ تقييدها بقيد صدورها من الشخص يكون جزافا.
وحيث إن كل واحد من المكلفين قادر على تحصيل هذه الطبيعة المطلقة أمر المولى كل واحد منهم بذلك، فإذا حصلت في الخارج سقط جميع الأوامر قهرا بحصول متعلقها، وإن عصى الجميع عوقبوا جميعا.