وقال قوم: لا يقسم مال المفقود حتى يعلم موته أو يمضى مدة لا يعيش مثله إليها بمجرى العادة، وإن مات له من يرثه المفقود دفع إلى كل وارث أقل ما يصيبه ووقف الباقي حتى يعلم حاله.
وهذا الأخير هو الذي يقوى عندي وأعمل عليه وأفتى به، والأول من الأقوال اختيار السيد المرتضى ذكره في انتصاره، والثاني من الأقوال اختيار شيخنا المفيد ذكره في مقنعته، والثالث من الأقوال اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسي ذكره في مسائل خلافه، وهو الأصح والأظهر لأن فيه الاحتياط والإجماع، لأن التصرف في مال الغير بغير إذنه قبيح محظور عقلا وسمعا فمن أباحه يحتاج إلى دليل، ونعم ما اختار شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله فإن قوله في هذه المسألة هو الصواب وما عداه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع، والأصل المنع من التصرف في مال الغير إلا باذنه، فمن ادعى قسمته والتصرف فيه فقد ادعى حكما شرعيا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، فالعاقل اللبيب يتوخى الانصاف فلا يسلم إلى المتقدم إذا جاء بالردئ لتقدمه ولا يبخس المتأخر حق الفضيلة إذا أتى بالحسن لتأخره، فمن العدل أن يذكر الحسن ولو جاء ممن جاء ويثبته الآتي به كائنا من كان فإن الحكمة ضالة المؤمن ويطرح الردئ ولو جاء ممن جاء، فقد روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: ومن مات وخلف تركة في يد انسان لا يعرف له وارثا جعلها في الفقراء والمساكين ولم يدفعها إلى سلطان الجور والظلمة من الولاة.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: ميراث من لا وارث له ينقل إلى بيت المال وهو للإمام خاصة، وعند جميع الفقهاء ينتقل إلى بيت المال ويكون للمسلمين وقال رحمه الله في مسألة أخرى: كل موضع وجب المال لبيت المال عند الفقهاء وعندنا للإمام إن وجد الإمام العادل سلم إليه بلا خلاف وإن لم يوجد وجب عليه حفظه لم عندنا كما يحفظ سائر أمواله التي يستحقها، ثم استدل فقال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا فإذا دفعه إلى الإمام العادل برئت ذمته بلا خلاف وليس على براءتها إذا دفعه إلى الجائز أو صرفه في مصالح المسلمين