إلى الله تعالى سيما الانسان لكونه أشرف الأنواع الواقعة تحت الكون والفساد فله كما سبق مرارا انتقالات وتحولات ذاتية من لدن حدوثه الطبيعي إلى آخر نشأته الطبيعية ثم منها إلى آخر نشأته النفسانية وهلم إلى آخر نشأته العقلية وعلمت أيضا انه أول ما اقتضت النفس وتوجهت إليه تكميل هذه النشأة الحسية وتعمير مملكة البدن بالقوى البدنية والآلات والبدن بمنزله الراحلة أو السفينة لراكب النفس في السفر إلى الله تعالى في بر الأجسام وبحر الأرواح ثم إذا كملت هذه النشأة وعمرت هذه المرحلة عبرت منها واخذت في تحصيل نشأة ثانية ودخلت في منزل آخر أقرب إلى مبدئها وغايتها وهكذا يتدرج في تكميل ذاتها وتعمير باطنها وتقوية وجودها بامداد الله وعنايته وكلما ازدادت في قوه جوهرها المعنوي واشتدت نقصت في صورتها الظاهرية وضعف وجودها الحسى فإذا انتهت بسيرها الذاتي وحركتها الجوهرية إلى عتبه باب من أبواب الآخرة عرض لها الموت عن هذه النشأة والولادة في النشأة الثانية فالموت نهاية السفر إلى الآخرة وبداية السفر فيها إلى غاية أخرى هي النشأة الثالثة وقد مر أيضا ان النفس الانسانية في مبدء تكونها كالجنين في بطن الدنيا ومشيمة البدن فيتربى شيئا فشيئا في هذه الدنيا كما يتربى الجنين في بطن أمه والموت سواء كان طبيعيا أو إراديا عبارة عن الخروج عن بطن الدنيا إلى سعة الآخرة فاتضح وانكشف بما ذكرناه سابقا ولاحقا ان الموت امر طبيعي للنفس وكل امر طبيعي لشئ يكون خيرا وتماما له وكل ما هو خير وتمام لشئ فهو حق له فثبت ان
(٢٣٨)