ادراكي نفساني وحياتها حياه ذاتية لا عرضية كهذه الأجسام المادية حكمه إلهية ان الله تعالى قد جعل لواجب حكمته في طبع النفوس محبه الوجود (1) والبقاء وجعل في جبلتها كراهة الفناء والعدم وهذا حق لما علمت أن طبيعة الوجود خير محض ونور صرف وبقاؤه خيرية الخير ونورية النور والطبيعة لم تفعل شيئا باطلا وكلما ارتكز فيها لا بد ان يكون له غاية يترتب عليه وينتهي إليها فعلم من هذا ان محبه النفوس للبقاء وكراهتها للموت ليست الا لحكمه وغاية هي كونها (2) على أتم الحالات وأكمل الوجودات فكون النفوس مجبولة على طلب البقاء ومحبة الدوام دليل على أن لها وجودا أخرويا باقيا أبد الدهر وذلك لان بقائها في هذه النشأة الطبيعية امر مستحيل فلو لم يكن لها نشأة أخرى باقية تنتقل إليها لكان ما ارتكز في النفس وأودع في جبلتها من محبه البقاء السرمدي والحياة الأبدية باطلا ضائعا ولا باطل في الطبيعة كما قالته الحكماء الإلهيون.
عقد وحل ولك ان (3) تقول إذا كان موت البدن في هذه النشأة الفانية حياه النفس في النشأة الباقية وان للنفس توجها جبليا إلى الانتقال إلى عالم الآخرة عن هذا العالم وحركه ذاتية جوهرية إلى القرب من الله تعالى والدخول في عالم الأرواح والاجتناب عن دار الظلمات والحجب الجسمانية فان التجسم عين الحجاب والظلمة والجهل فما سبب كراهة النفوس وتوحشها عن الموت وطرح الجسد وفيه تعرى النفس عن ثقله وكثافته وخلاصها عن الحبس وانطلاقها