الموت حق للنفس فاما الفساد والهلاك الذي يطرء البدن فإنما هو امر واقع بالعرض لا بالذات كسائر الشرور الواقعة في هذا العالم بالعرض تبعا للخيرات والغايات الطبيعية فالعدالة الإلهية تقتضي رعاية ما هو الأشرف والأفضل فالحياة الروحانية للانسان أشرف من هذه الحياة الطبيعية البدنية على انك لو نظرت (1) نظرا حكيما في البدن من حيث هو بدن طبيعي لوجدت قوامه وتمامه بالنفس وقواها وهذيته وتشخصه بها بل وجدته متحدا بها اتحاد المادة المبهمة بالصورة المعينة واتحاد الناقص بالتام والقوة بالفعل فلو فرض تفرده بذاته دون النفس وقواها لم يبق له انية وحقيقة الا العناصر والاجزاء المتداعية للافتراق وهي بحالها كما كانت قبل الموت وبعده.
واعلم أن الأجسام الواقعة تحت تصرف النفوس والأرواح هي في نفسها مضمحلة مقهورة مستهلكة وكلما كانت النفوس أشرف وأقوى كانت الأبدان المتصرفة فيها أضعف قوه وأقل أنانية وانقص وجودا وكلما (2) أمعنت النفس في القوة والحياة والكمال أمعن البدن في الضعف والموت والزوال حتى إذا بلغت غايتها من الاستقلال انعدم البدن بالكلية وزال وهذا المعنى مشاهد في الأجسام الطبيعية ألا ترى ان جسمية الجماد أقوى واحكم من جسمية النبات وهي أقوى من جسمية الحيوان وهي من جسمية الانسان بحسب تفاوت نفوسها وأرواحها في القوة والتمام.