عدد طبقاته أكثر والتفاوت بين أسفله وأعلاه أشد فلا يبلغ الانسان إلى أدنى درجات عالم النهايات الا بعد طي درجات عالم الأوساط كلها ولا يبلغ إلى أدنى درجات عالم الأوساط الا بعد طي درجات عالم البدايات كلها وهو عالم المحسوسات المادية فجميع العوالم ودرجاتها هي منازل السائرين إلى الله تعالى ففي كل منزل منها للسالك خلع ولبس جديد وموت وبعث منه وحشر إلى ما بعده فعدد الموت والبعث والحشر كثير لا يحصى وقيل بعدد الأنفاس وهو الصحيح عندنا بالبرهان الذي أقمنا على أن لا ساكن في هذا العالم من الجواهر الطبيعية سيما الجوهر الانساني المتحرك في ذاته إلى عالم الآخرة ثم إلى الحضرة الإلهية ولا بد من وروده أولا إلى أولى مراتب المحسوسات ثم يرتقى قليلا قليلا إلى أن يتخلص منها واليه الإشارة بقوله تعالى وان منكم الا واردها (1) كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا فان كل واحد من افراد الناس بواسطة وقوعه في عالم الطبيعية الكائنة يحصل له استحقاق عذاب النار لو لم يتبدل نشأته ولم ينجبر سيئته الفطرية بفعل الطاعات وترك الشهوات كما قال تعالى وأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات.
فان قلت هذا الذي ذكرت ينافي معنى قوله ع كل مولود يولد على الفطرة الحديث.
قلت لا منافاة بينهما لان المذكور في الحديث هو فطره الروح لأنها بحسب ذاتها من عالم القدس والطهارة والذي كلامنا فيه هو ابتداء نشأة البدن ووقوع النفس فيها فهي فطره البدن الذي حصل من الأجسام الحسية المادية التي وجودها أخس الوجودات وأظلمها وابعدها عن الله وملكوته وقد ورد في الحديث النبوي صلى الله عليه وآله وسلم انه تعالى ما نظر إلى الأجسام مذ خلقها وبما ذكرناه أيضا اندفع التدافع بين حديثين (2)