عن السجن وقيده.
فنقول في كراهة الموت البدني للنفوس الانسانية سببان فأعلى وغائي اما السبب الفاعلي فهو ان أول نشئات النفس هي هذه النشأة الطبيعية البدنية ولها الغلبة على النفوس ما دامت متصلة بالبدن متصرفة فيه فيجرى عليها احكام الطبيعة البدنية ويؤثر فيها (1) كلما يؤثر في الجوهر الحسى والحيوان الطبيعي من الملائمات والمنافيات البدنية ولهذا تتألم وتتضرر بتفرق الاتصال والاحتراق بالنار وأشباه ذلك لا من حيث كونها جواهر نطقية وذواتا عقلية بل من حيث كونها جواهر حسية وقوى تعلقية فتوحشها من الموت البدني وكراهتها انما يكون لحصة لها من النشأة الطبيعية وهي متفاوتة بحسب شده الانغمار في البدن والانكباب فيه على انا لا نسلم الكراهة عند الموت الطبيعي الذي يحصل في آخر الأعمار الطبيعية دون الآجال الاخترامية واما ما يقتضيه العقل التام وقوه الباطن وغلبه نور الايمان بالله واليوم الآخر وسلطان الملكوت فهو محبه الموت الدنيوي والتشوق إلى الله ومجاورة مقربية وملكوته والتوحش عن حياه الدنيا وصحبه الظلمات ومجاورة المؤذيات فالعارف يتوحش من صحبه حيوانات الدنيا توحش الانسان الحي من مقارنه الأموات وأصحاب القبور واما السبب الغائي والحكمة في كراهة الموت هو محافظة النفس للبدن الذي هو بمنزله المركب في طريق الآخرة وصيانته عن الآفات العارضة ليمكن لها الاستكمالات العلمية والعملية إلى أن يبلغ كمالها الممكن وكذا اراده الله تعالى تعلقت بابداع الألم والاحساس به في غرائز الحيوانات والخوف في طباعها عما يلحق أبدانها من الآفات العارضة والعاهات الواردة عليها حثا لنفوسها على حفظ أبدانها وكلالة أجسادها وصيانه هياكلها من الآفات العارضة لها إذ الأجساد لا شعور لها في ذاتها ولا قدره على جر منفعه أو دفع مضرة فلو لم يكن الألم والخوف في نفوسها لتهاونت النفوس بالأجساد وخذلتها وأسلمتها إلى