لمادة ما في الصور الجوهرية على سبيل الترقي من الأدنى إلى الاعلى حتى يقع انتهاء الأكوان الصورية إلى النفس وما بعدها فعلى هذا لا معنى لبقاء المناسبة الذاتية للاجزاء الترابية إليها ومع قطع النظر عما ذكرناه واصلناه نقول كل من ذاق المشرب الحكمي يعلم أن الجسم الذي يتعلق به النفس سيما الناطقة التي هي أخيرة مراتب الشرف والكمال للأجسام الطبيعية في سلسله العود إلى العقل الفعال يجب ان يكون مختصا بمزيد استعداد وتهيؤ مزاج وحرارة غريزية لروح (1) بخارى شبيه بالجرم السماوي وان التعلقات الطبيعية والذاتية ليست كالتعلقات الإرادية الواقعة من الانسان لأجل مصلحة خارجية أو داعية جزافية أو عادية ترغبه وتدعوه إلى التوجه والالتفات نحو شئ كمن توجه إلى خرابه عاش فيها مده كانت معمورة ثم هاجر منها لأجل سبب من الأسباب فيلتفت إليها مره أخرى بعد خرابها ويريد تعميرها طلبا لما يتذكره من التلذذات والتنعمات التي وقعت منه فيها على سبيل المجازفة الشهوية من غير فائدة فكرية وغاية عقلية أو لملاحظة مصلحة رآها أو فائدة وحكمه راعاها فان شيئا من هذه الأمور لا يجرى في الأسباب الذاتية للغايات الطبيعية ثم إن قولهم ان النفس تتعلق أولا بالأرواح اللطيفة وثانيا بالأعضاء الكثيفة معناه ان تعلقها بالذات ليس الا بالأرواح لأنها القريبة الشبه إلى جوهر النفوس دون الأعضاء لكثافتها وظلمتها وبعد مناسبتها إلى الجواهر النورانية الا بالعرض لأجل كونها كالقشر والغلاف والوعاء الصائن للجرم الشبيه بالفلك اللائق لأجل اعتداله ولطافته لان يستوكره الحمام القدسي والطائر الملكوتي فإذا تمزقت هذه الشبكة واستحالت ترابا ورمادا وطار طائرها السماوي وخلص من هذا المضيق فأي تعلق بقي له بالاجزاء المتفرقة والذرات
(٢٠٦)