ووساوس الوهم ودعابة المتخيلة ارتفع الحجاب وزال المانع الخارجي ودام الاتصال لان النفس باقية والمبدء الفعال باق والفيض من جهته مبذول والنفس متهيأة والحجابان أعني الداخلي والخارجي مرتفعان اما الداخلي وهو قصور النفس وهيولانيتها ووغولها في البدن واتحادها به فبخروجها من القوة إلى الفعل وصيرورتها راجعه إلى ذاتها العقلية وتميزها عن البدن وقواه غاية التميز واما الخارجي وهو البدن وحواسه كغلاف فيه مرآة مصيقلة فبخروجها عن غلاف البدن بالموت فان البدن والحواس وان احتيج إليها في ابتداء الامر ليحصل بواسطتها الخيالات الصحيحة حتى تستنبط النفس من الخيالات المعاني المجردة وتتفطن بها وتتنبه إلى عالمها ومبدئها ومعادها إذ لا يمكن لها في ابتداء النشأة التفطن بالمعارف الا بواسطة الحواس ولهذا قيل من فقد حسا فقد علما فالحاسة نافعه في الابتداء عائقة في الانتهاء كالشبكة للصيد والدابة المركوبة للوصول إلى المقصد ثم عند الوصول يصير عين ما كان شرطا ومعينا شاغلا ووبالا.
واعلم أن سعادة كل قوه بنيل ما هو مقتضى ذاتها من غير عائق وحصول كمالها من غير آفة ولا شك ان كمال كل ما هو من باب نوعه وجنسه فكمال الشهوة هو حصول مشتهاها وكمال القوة الغضبية هو الغلبة والانتقام وكمال الوهم وسعادته هو الرجاء والتمني ولكل حاسه الاحساس بالكيفية المحسوسة التي هي من نوعه فللمس ادراك الكيفية المزاجية المعتدلة المتوسطة بين أوائل الكيفيات الأربع اعتدالا وتوسطا قريبا من اعتدال اللامسة وتوسطها وللذوق ادراك الطعوم المناسبة لمزاج الاله والبدن كالحلاوات والدسومات وغيرها وللشم الروائح الطيبة وللبصر الأنوار والألوان وللسمع الأصوات المؤتلفة والنغمات المطربة وللخيال تصور المستحسنات وهي اما مثل المحسوسات المرتفعة إلى الخيال أو حكايات المعقولات