فلما ظهر بالبراهين القطعية ان له نفسا غير مخالطه بجسمه واما النبات فلما مر من أن القوة المتجددة في الأمور الطبيعية متصلة بما فوقها (1) من قوه ثابته غير متجددة وقد سبق (2) أيضا ان المادة المقدارية داخله في هوية ما له صوره طبيعة كامله على سبيل (3) الابهام فلا يقدح تبدلها في استمرار هوية شخصية.
ومنها انه لما لم يظفر باثبات تجرد القوة الخيالية للانسان صار متحيرا في بقاء النفوس الساذجة الانسانية بعد البدن فاضطر تارة إلى القول ببطلانها كما في بعض رسائله المسمى بالمجالس السبعة على أنه معترف بان الجوهر الغير الجرمي لا يبطل ببطلان الجسد وتارة إلى القول بأنها باقية من جهة ادراكها ببعض الأوليات والعمومات وكل من له قدم راسخ في الفلسفة يعلم أن النشأة الآخرة نشأة ادراكية علمية والنفوس العقلية قوامها بادراك العقليات والشئ لا يمكن ان يوجد بالمعنى العام ما لم يتعين ولم يتذوت وأي سعادة (4) للنفس في ادراك الشئ والممكن العام أو الخاص أو بادراك ان الكل أكثر من جزئه أو بان المساوي للمساوي مساو وما يجرى مجرى هذه وكما أن في هذا العالم لا يمكن وجود امر بمجرد كونه جوهرا مطلقا أو كيفا مطلقا ما لم يتحصل نوعا مخصوصا له صوره مخصوصة فكذا لا يوجد شئ في العالم العقلي بان (5) يكون أحد موجودات ذلك العالم بمجرد كونه شيئا ما أو ممكنا ما أو جوهرا ما لم يصر ذاتا عقلية مخصوصة