ثم الطبائع ثم النفوس وجود كل شئ لذيذ عنده ولو حصل له وجود سببه ومقومه له لكان ألذ لأنه وجوده فيكون كمال لذته بادراكه وحيث كانت الوجودات متفاوتة فالسعادات التي هي ادراكاتها تكون متفاضلة أيضا وكما أن وجود القوى العقلية أشرف من وجود القوى الحيوانية الشهوية والغضبية التي هي نفوس البهائم والسباع وغيرهما من الحيوانات فسعادتها اجل ولذتها وعشقها أتم فنفوسنا إذا استكملت وقويت وبطلت علاقتها بالبدن ورجعت إلى ذاتها الحقيقية وذات مبدعها تكون لها من البهجة والسعادة ما لا يمكن ان يوصف أو يقاص به اللذات الحسية وذلك لان أسباب هذه اللذة أقوى وأتم وأكثر والزم للذات المبتهجة اما انها أقوى فلان أسباب اللذة هي الادراك والمدرك والمدرك وقوه الادراك (1) بقوة المدرك والقوة العقلية أقوى من القوى الحسية ومدركاتها أقوى فلا جرم هي محصله لحقيقة الشئ المدرك الملائم ونائله للبهاء المحض والخير الصرف والوجود الذي هو أصل كل موجود وفياض كل خير ونظام وكذلك ما بعده من الجواهر العقلية التي هي معشوقات بذواتها سواء عشقها غيرها أم لم يعشق واما المشتهيات الحسية فادراكها بالقوى الضعيفة الوجود الناقصة الأكوان وهو يتعلق بالظواهر والأطراف غير متوغل إلى حقيقة الشئ الملائم والمدركات هي من باب المأكولات والملموسات والروائح والألوان وما أشبهها واما انها أكثر فان مدركات القوة العقلية هي كل الأشياء ومدركات القوى الحسية هي بعضها وهو المحسوسات فقط دون المعقولات.
وأيضا ليس كل المحسوسات ملائما لذيذا للحس بل بعضها ملائم له وبعضها مناف بخلاف العقل فان كل معقول ملائم له وبه كمال ذاته وذلك لان الحسيات يقع فيها التضاد والمنافرة لقصور وجوداتها وقبولها النقص والآفة واما العقليات فلها الفسحة والسعة في الوجود من غير تزاحم وتضايق واما انها الزم للذات فان الصور