برياضيات ومجاهدات في خلوات مع توحش شديد عن صحبه الخلق وانقطاع عن اعراض الدنيا وشهواتها الباطلة وترفعاتها الوهمية وأمانيها الكاذبة وأكثر كلمات هذا الفيلسوف الأعظم مما يدل على قوه كشفه ونور باطنه وقرب منزلته عند الله وانه من الأولياء الكاملين ولعل اشتغاله بأمور الدنيا وتدبير الخلق واصلاح العباد وتعمير البلاد كان عقيب تلك الرياضيات والمجاهدات وبعد ان كملت نفسه وتمت ذاته وصار في كمال ذاته بحيث لم يشغله شان عن شان فأراد الجمع بين الرئاستين وتكميل النشأتين.
فاشتغل بتعليم الخلق وتهذيبهم وارشادهم سبيل الرشاد تقربا إلى رب العباد.
واما الشيخ صاحب الشفاء فلم يكن اشتغاله بأمور الدنيا على هذا المنهاج والعجب أنه كلما انتهى بحثه إلى تحقيق الهويات الوجودية دون الأمور العامة والاحكام الشاملة تبلد ذهنه وظهر منه العجز وذلك في كثير من المواضع.
منها منعه حركه في مقولة الجوهر فإنه زعم أنها توجب خروج الموضوع عن ماهية إلى ماهية أخرى فلو تحرك زيد مثلا في انسانيته لزم عنده خروجه من الانسانية إلى نوع آخر مع أنه لا بد في حركه من بقاء الموضوع وذلك لذهوله عن أحوال الوجودات وان لماهية واحده قد يكون أنحاء متفاوتة من الوجود بعضها أتم من بعض بل يجوز ان يكون لشخص واحد أنحاء وأطوار كثيره من الوجود نعم لو كان الوجود كما زعمه جمهور المتأخرين أمرا انتزاعيا كان الامر كما زعمه وليس كذلك كما علمت.
ومنها انكاره للصور المفارقة الإفلاطونية وقد سبق تحقيقها في مباحث الماهية.
ومنها انكاره لاتحاد العاقل بالمعقول وكذا اتحاد النفس بالعقل الفعال وقد مر اثباتهما في مباحث العقل والمعقول.
ومنها تبلد ذهنه من تجويز عشق الهيولى للصورة وقد أثبتناه.