العقلية وان كانت قائمه بذواتها متشخصة بأنفسها لكن النفس لضعف ادراكها وكلالها في هذا العالم بواسطة تعلقها بالجسمانيات الكثيفة لا يتيسر لها مشاهده تامه إياها وتلق كامل لها بل مشاهده ضعيفه وملاحظة ناقصه كأبصارنا في هواء مغبر من بعد أو كابصار انسان ضعيف الباصرة شخصا فيحتمل عنده ان يكون زيدا أو عمروا أو بكرا أو خالدا أو يشك في كونه انسانا أو شجرا أو حجرا فكذا يحتمل المثال النوري والصورة العقلية عند النفس وبالقياس إلى ادراكاتها الكلية والابهام والعموم والاشتراك وغيرها من الصفات التي هي من نتائج ضعف الوجود ووهن المعقولية أعم من أن يكون ناشئا من قصور المدرك أو من فتور الادراك فان ضعف الادراك وقلة النيل كما يكون تارة من جانب المدرك بان يكون قوته الدراكه في نفسها ضعيفه كعقول الأطفال أو معوقة عن الادراك التام لمانع خارجي كالنفوس المدبرة للأبدان المتعلقة بعالم الظلمات فكذلك قد يكون أيضا من جانب المدرك وذلك يكون من جهتين اما من جهة قصوره ونقصه وخفاه في نفسه واما من جهة كماله وجلاله وغاية ظهوره وجلائه فالأول كما في الأمور الضعيفة كالزمان والعدد والهيولي ونظائرها فلا محاله يكون تعقلها ضعيفا لاتحاد العقل والمعقول بحسب الحقيقة والثاني كما في الأشياء التي تكون رفيع السمك وبعيد الدرك فلا يحتملها النفس لغاية قوتها وضعف النفس كالعقول الفعالة وربما يغلب فرط جماله وجلاله على القوة المدركة ويجعلها مقهورة مبهورة من شده نوريته وفرط قوته واستيلائه وقهره بحيث لا يمكنها ادراكه على التمام كما في ادراك العقل لواجب الوجود جل كبرياؤه.
والحاصل ان النفس عند ادراكها للمعقولات الكلية تشاهد ذواتا عقلية مجرده لا بتجريد النفس إياها وانتزاعها معقولها من محسوسها كما هو عند جمهور الحكماء بل بانتقال لها من المحسوس إلى المتخيل ثم إلى المعقول وارتحال من