الاستغراق في الذات التي يوجه إليها الفعل المعين، في ما يشبه حالة الذوبان الذي يفقد الإنسان معه الإحساس بإرادته أمامها، أو في الالتفات إلى وجوده معها. ولذلك لا بد من وجود حالة نفسية في مستوى الانسحاق في انطباق مفهوم العبادة عليه. وهذا ما نستوحيه في مسألة أمر الله للملائكة ولإبليس بالسجود لآدم (ع)، باعتبار ما يمثله ذلك من معنى الاحترام الناشئ من الإيحاء بعظمة خلقه - كما هو أحد الاحتمالات في ذلك - فإن من الطبيعي أن الله لم يأمر بذلك بمعنى العبادة لآدم (ع) حتى على مستوى المظهر؛ لأن الله لا يرضى بعبادة غيره وإن كان من أقرب خلقه إليه. ولذلك، لم يكن رد فعل إبليس على المسألة اعتراضا على منافاة ذلك للإخلاص لله وللإيمان بوحدانيته، بل اعتراضا على أن يكون عنصر التراب أفضل من عنصر النار، بحيث لا يتناسب ذلك مع سجود المخلوق من النار، التي هي أقوى من التراب، للمخلوق من التراب، لأن السجود يمثل التعبير عن التعظيم، باعتبار أنه صاحب القيمة الفضلى والمستوى الأرفع.
وهكذا، فإننا لم نجد من الملائكة استغرابا للأمر، في ما يمكن أن يحمله، حسب هذا الفرض، من المنافاة للتوحيد في العبادة.
وهذا ما نستوحيه من سجود يعقوب (عليه السلام) وزوجته وأولاده ليوسف (عليه السلام)، وذلك قوله تعالى: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا ((يوسف: 100) فإن الظاهر أن المراد منها هو سجود أبويه وإخوته له، لأنه قال - بعد ذلك -: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) (يوسف: 100) وكان، في ما قصه على أبيه من رؤياه في بداية القصة، ما ذكره الله سبحانه: (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) (يوسف: 4)، فهل يمكن أن يكون في سجود يعقوب (ع) وزوجته وأولاده لون من ألوان العبادة ليوسف عليه السلام الذي يعيش العبودية لله في أعلى مواقعها، كما عاشها أبوه عليه السلام في هذا المستوى؟
إن المسألة هي - في ما يبدو - مسألة التقليد المتبع في احترام صاحب العرش، الذي يملك السلطة، في السجود له، تعبيرا عن الشعور بعظمته وعن التقدير لمقامه الرفيع.
وفي ضوء ذلك، لا بد من التدقيق في طبيعة الأشكال المتعارفة لدى الناس، التي تلتقي - بشكل أو بآخر - بالشكليات الطقوسية للعبادة، ودراسة خلفياتها الفكرية والروحية في شخصية من يمارسها، ومعرفة التقاليد الاجتماعية في مسألة الاحترام