البيت البويهي مقامه في بغداد وكان يمارس الحكم فيها باسم الخليفة، فقد تجهز عضد الدولة وسار يطلب العراق وكان يد علم عن عز الدولة بختيار ومحمد بن بقية من استمالة أصحاب الأطراف كحسنويه الكردي وفخر الدولة أخيه وأبي تغلب بن حمدان صاحب الموصل وعمران بن شاهين صاحب البطيحة وغيرهم والاتفاق على معاداته ولما كانوا يقولونه من الشتم له. وكان عضد الدولة علم بان بختيار قد توجه إلى واسط ثم إلى الأهواز لمحاربته بإشارة من ابن بقية، فسار عضد الدولة من فارس نحوه فالتقى به في ذي القعدة من هذه السنة واقتتلا وخان بعض عسكر بختيار وانتقلوا إلى عضد الدولة فانهزم بختيار واخذ ماله ومال ابن بقية ونهبت الأثقال ولما وصل بختيار عائدا إلى واسط حمل إليه ابن شاهين صاحب البطيحة مالا وسلاحا وغير ذلك من الهدايا النفيسة. إما عضد الدولة فبعد ان استولى على الأهواز وهزم بختيار سير جيشه إلى البصرة فملكها وكان أهلها قد اختلفوا فيما بينهم فكانت مضر تهوى عضد الدولة وتميل إليه ومالت ربيعة إلى بختيار فلما انهزم بختيار ضعفت ربيعة وقويت مضر وكاتبوا عضد الدولة لتسليم المدينة فدخلها وأقام مدة فيها وأقام بختيار بواسط واحضر ما كان له ببغداد والبصرة من مال وغيره ففرقه في أصحابه. وبعد مدة جرت اتصالات بين عضد الدولة وبختيار بشأن ثم ترك بختيار واسط وعاد إلى بغداد وبقي فيها مدة تربو على السنة سار خلالها عضد الدولة إلى واسط وعاد منها إلى البصرة فاصلح بين ربيعة ومضر وكانوا في الحروب نحو 120 سنة.
وفي أوائل سنة 376 عاد عضد الدولة من البصرة إلى واسط ثم سار إلى بغداد وأرسل إلى بختيار يدعوه إلى طاعته وان يسير عن العراق إلى أي جهة أراد وضمن مساعدته بما يحتاج إليه من مال وسلاح فأجاب بختيار بالموافقة فانفذ له عضد الدولة خلعة فلبسها وأرسل إليه يطلب منه محمد بن بقية فسمل بختيار عينيه ليلة الجمعة لثلاث خلون من ربيع الأول سنة 367 وانفذه إلى عضد الدولة ثم خرج بختيار من بغداد حاملا معه ما كان قد جهزه به عضد الدولة قاصدا الشام. فدخل عضد الدولة بغداد وخطب له بها ولم يكن قبل ذلك يخطب لاحد ببغداد وضرب على بابه ثلاثة نوب ولم تجر بذلك عادة من تقدمه، ثم أمر بان يلقى محمد بن بقية بين قوائم الفيلة لتقتله ففعل به ذلك وخبطته الفيلة حتى قتلته وصلب على رأس الجسر في 6 شوال من سنة 367 يوم الجمعة. فرثاه أبو الحسين الأنباري بقصيدته المعروفة التي مطلعها:
علو في الحياة وفي الحمات * لحق أنت إحدى المعجزات وبقي ابن بقية مصلوبا إلى أيام صمصام الدولة بن عضد الدولة فأنزل من جذعه ودفن.
وسار بختيار ومعه حمدان بن ناصر الدولة بن حمدان قاصدين الشام فلما صارا بعكبرا حسن انه حمدان قصد الموصل فسار بختيار نحوها وكان عضد الدولة قد خلفه بعدم قصد ولاية أبي تغلب بن حمدان وهي الموصل لمودة بينهما. فلما وصل بختيار إلى تكريت اتته رسل أبي تغلب تسأله ان يقبض على أخيه حمدان ويسلمه له وإذا فعل ذلك سار بنفسه وعساكره إليه وقاتل معه عضد الدولة واعاده إلى ملكه بغداد. فقبض بختيار على حمدان وسلمه لنواب أبي تغلب فحبسه في قلعة له وسار بختيار إلى الحديثة واجتمع مع أبي تغلب صاحب الموصل وسارا جميعا نحو العراق وكان مع أبي تغلب نحو عشرين ألف مقاتل. وبلغ ذلك عضد الدولة فسار عن بغداد نحوهما فالتقوا بقصر الجص بنواحي تكريت في 18 شوال سنة 367 فجهزهما عضد الدولة وأسر بختيار واحضر عند عضد الدولة فلم يأذن له بادخاله إليه وامر بقتله فقتل وخلص من أصحابه وذلك بمشورة أبي الوفاء طاهر بن إبراهيم.
واستقر ملك عضد الدولة بعد ذلك، وكان عمر بختيار 36 سنة.
وكان بختيار ضعيف الإرادة وكان أبوه معز الدولة المتوفي سنة 356 قد أوصاه بطاعة ابن عمه عضد الدولة لأنه أكبر منه سنا وأقوم بالسياسة ولكنه لم يفعل بنصيحة أبيه.
وحيث إن قدم عضد الدولة رسخت في بغداد بعد قتل بختيار وهزيمة أبي تغلب وأصبح أمير الامراء سنة 367 سار عضد الدولة نحو الموصل فملكها وما يتصل بها في 12 ذي القعدة سنة 367. وسار أبو تغلب فضل الله بن ناصر الدولة من همذان ومعه المرزبان بن بختيار وأبو إسحاق وأبو طاهر ابنا معز الدولة ووالدتهما وهي أم بختيار إلى نصيبين فسير عضد الدولة سرية عليها حاجبه أبو حرب طغان إلى جزيرة ابن عمر وسرية أخرى عليها أبو الوفاء طاهر بن محمد على طريق سنجار. إما أبو تغلب فقد سار مجدا في الهرب حتى وصل ميافارقين وأقام بها ثم سار نحو بدليس ثم الحسنية من اعمال الجزيرة وصعد إلى قلعة كواشي إما أبو الوفاء فقد عاد إلى ميافارقين ولما اتصل بعضد الدولة كل ذلك سار بنفسه لمقاتلة أبي تغلب فلم يدركه وعاد إلى الموصل. إما أبو تغلب فقد هرب من بدليس إلى بلاد الروم ثم عاد إلى آمد وأقام بها مدة ثم تركها لما علم بمسير أبي الوفاء إليها. واستولى أبو الوفاء على آمد ثم على سائر نواحي ديار بكر.
وقصده أصحاب أبي تغلب وأهله مستأمنون إليه فامنهم وأحسن إليهم وعاد إلى الموصل. إما أبو تغلب نفسه فإنه لما قصد الرحبة انفذ رسولا من بني حمدان إلى عضد الدولة يستعطفه ويسأله الصفح والصلح فرحب عضد الدولة بالرسول والرسالة ولكنه اشترط شروطا لم يقبلها أبو تغلب الحمداني الذي سار إلى الشام إلى العزيز بالله صاحب مصر وكان كل ذلك سنة 368 وقد قتل أبو تغلب في صفر من سنة 369.
وكان متولي ديار مضر تغلب بن حمدان بن سلامة البرقعيدي فانفذ إليه سعد الدولة بن سيف الدولة من حلب جيشا فجرت بينهم الحروب وكان سعد الدولة قد كاتب عضد الدولة وعرض نفسه عليه فانفذ عضد الدولة النقيب أبا احمد والد السيدين المرتضى والرضي إلى البلاد التي بيد ابن سلامة فتسلمها بعد حرب شديدة ودخل إليها في الطاعة. فاخذ عضد الدولة لنفسه الرقة ورد باقيها إلى سعد الدولة ثم استولى عضد الدولة على الرحبة وقلعة كوشي وقلعة هرور والمليصي وغيرها من الحصون.
ولما فرع من الاستيلاء على جميع اعمال أبي تغلب الحمداني استخلف أبا الوفاء على الموصل وعاد إلى بغداد في سلخ ذي القعدة من سنة 368 واستقبله الخليفة الطائع لله وجمع كبي من الجند. وهكذا استولى عضد الدولة على ملك بني حمدان. كما أن جميلة بنت ناصر الدولة وأخت أبي تغلب أسرت من حلب وأرسلت إلى أبي الوفاء نائب عضد الدولة في الموصل فارسلها هذا إلى بغداد فاعتقلت في حجرة بدار عضد الدولة. (1) وفي محرم سنة 369 توفي عمران بن شاهين صاحب البطيحة فولي