في النحو وكذا ألف له كتاب الحجة في القراءات وقصده فحول الشعراء في عصره ومدحوه بأحسن المدائح ومنهم أبو الطيب المتنبي وفيه يقول من قصيدة:
وقد رأيت الملوك قاطبة * وسرت حتى رأيت مولاها أبا شجاع بفارس عضد الدو * له فناخسرو شهنشاها أساميا لم تزده معرفة * وانما لذة ذكرناها وكان عضد الدولة معدودا من الشعراء والكتاب حتى أن السيوفي قال عنه أنه كان أحد الضليعين في العربية وآدابها.
ويروى له:
ليس شرب الكاس الا في المطر * وغناء من جوار في السحر غانيات سالبات للنهي * ناغمات في تضاعيف الوتر مبرزات الكاس من مطلعها * ساقيات الراح من فاق البشر عضد الدولة وابن ركنها * مالك الأملاك غلاب القدر وقيل أنه لم ير عضد الدولة بعد انشاده لهذه الأبيات يوم سعد وسعود ومات بعدها بمدة وجيزة.
ومن شعره أيضا لما ارسل إليه أبو تغلب بن حمدان يعتذر عن مساعدة بختيار ويطلب الأمان:
أ أفاق حين وطئت ضيق خناقه * يبغي الأمان وكان يبغي صارما فلأركبن عزيمة عضدية * تاجية تدع الأنوف رواغما واما في النثر فقد حكي أن أبا منصور افتكين التركي متولي دمشق كتب إلى عضد الدولة يقول أن الشام قد صفا امرها وأصبحت في يدي وزال عنها حكم صاحب مصر وأن قويتني بالأموال والمدد حاربت القوم في مستقرهم فكتب له عضد الدولة. غرك عزك فصار قصار ذلك ذلك فاخش فاحش فعلك بهذا تهدى قال ابن الأثير وكان عضد الدولة محبا للعلماء والفقهاء وأدر الأموال والأرزاق عليهم وعلى المؤذنين والقراء وأهل الأدب والفقراء والغرباء والضعفاء الذين كانوا يأوون إلى المساجد وهدأ الناس من الفتن واجرى الجرايات على الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين والنحاة والشعراء والنسابين والأطباء والحساب والمهندسين وأذن لوزيره نصر بن هارون وكان نصرانيا في عمارة البيع والأديرة واطلاق الأموال لفقرائهم اه.
كل هذا بالإضافة إلى اطلاقه الصلات لأهل البيوتات والشرف والضعفاء من المجاورين بمكة والمدينة والأقطار الأخرى.
وكان عضد الدولة يتخذ من العلماء وأصحاب الأدب ندماء يستزيد منهم علما وأدبا منهم أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه صاحب كتاب تجارب الأمم المتوفى سنة 421 بأصفهان. فإنه اتصل في أول امره بخدمة عضد الدولة وصار من ندمائه ورسله إلى نظرائه وكان خازنا له أثيرا عنده كاتما لاسراره.
الاصلاح والعمران على عهده وكانت سنوات حكم عضد الدولة ملأى بالاعمال العمرانية والإنشائية والاصلاحات سواء كان ذلك في العراق وخاصة منها بغداد أو في إيران وفي سائر الأقطار الاسلامية. ففي بغداد زاد نهر دجلة سنة 368 وأشرف الناس على الهلاك فشرع عضد الدولة سنة 369 بتعمير بغداد وكانت قد تهدمت بتوالي الفتن والحرق والغرق والزلزال عليها، ومما ذكره ابن الأثير في هذا الصدد أن عضد الدولة عمر مساجد بغداد وأسواقها وألزم أصحاب الأملاك الخراب على عمارتها وجدد ما دثر من الأنهار وأعاد حفرها وتسويتها إلى أن يقول وبنى سورا حول أبنية المشهد الكاظمي وبنى أيضا سورا على مدينة الرسول ص وجدد حصارها الذي كان قد اقامه سنة 236 إسحاق بن محمد الجعدي.
وقد اشتهر عضد الدولة أيضا بكثرة ما انشاه من الأبنية والملاجئ ودور العجزة، ومنها القصر الضخم الذي اقامه في الناحية التي تعرف اليوم في بغداد بأرض الصرافية الواقعة بين الجسر الحديد ومحلة العيواضية التي هي من ضمنها. وقد الحق به مساحة شاسعة من الأرض فجعلها بستانا للقصر وراء هذا البستان واستخرج نهرا خاصا من الخالص ولكي يعبر هذا النهر البقعة المنخفضة في سبيله، محافظا على مستواه، قام بتعلية الأرض لتسيير النهر فوقها، وقد استخدم عضد الدولة الفيلة في دوس الأرض المعلاة والدور المنقوضة التي اشتراها باغلى الأثمان والتي أصبحت ضمن البستان وبنى على الجميع مسناة وبعد أن فتح النهر بنى عضد الدولة جوانبه بالآجر والكلس والنورة واجرى الماء فيه حتى وصل إلى بستان القصر الجديد وقدرت نفقات هذه الأعمال بخمسة ملايين درهم، وقد عرف هذا البستان والقصر وحواليها بدار المملكة البويهية.
وفي يوم الخميس 12 محرم سنة 368 فتح الماء الذي استخرجه عضد الدولة من الخالص إلى داره وبستان الزاهر.
ومن المنشأت التي بقيت على مر الزمن معروفة باسم عضد الدولة هو المستشفى العضدي الكبير الذي انشاه عضد الدولة في بغداد الغربية جانب الكرخ في موضع قصر الخلد الذي كان متهدما يوم ذلك وكانت مساحته 25 ألف آجرة وقد استغرق بناء هذا المستشفى ثلاث سنوات فقد شرع في بنائه سنة 368 وتمت عمارته في سنة 371 ووقف عضد الدولة عليه أوقافا كثيرة وعمل له ارحاء بالزبيدية من نهر عيسى ووقفها عليه.
وأنشأ حول المستشفى سوقا سمي بسوق المارستان وأنشئت حوله سوقا واسعة تمتد من محلة باب البصرة في الجنوب إلى محلة الشارع في الشمال وكانت تعرف بمحلة المارستان. وقال عبد الله بن جبرئيل بن بختيشوع الطبيب النصراني أنه لما عمر عضد الدولة المارستان الجديد الذي على طرف الجسر وهو جسر المارستان العضدي من الجانب الغربي من بغداد كانت الأطباء الذين جمعهم فيه من كل موضع وامر الراتب منه 24 طبيبا منهم والدي جبرئيل بن عبيد الله بن بختيشوع وقد اصعد مع عضد الدولة من شيراز ورتب من جملة الطبائعيين في المارستان.
وقال ابن الجوزي في حوادث سنة 372 وفي يوم الخميس لثلاث خلون من صفر وقيل لليلة خلت في ربيع الآخر فتح المارستان المستشفى الذي انشاه عضد الدولة في الجانب الغربي من مدينة السلام ورتب فيه الأطباء والمعالجون والخزان والبوابون والوكلاء والناظرون ونقلت إليه الأدوية والأشربة والفرش والآلات من كل ناحية.
أما في غير بغداد فقد أقام عدة منشئاة وجسور هامة مدة حكمه في