مكانه ابنه الحسن بن عمران بن شاهين وتجددا لعضد الدولة طمع في اعمال البطيحة فجهز العساكر مع وزيره المطهر بن محمد وسار المطهر إلى البطيحة في صفر من تلك السنة وجرت عدة وقائع بين الحسن والمطهر استظهر فيها الحسن على المطهر مستعينا بفتح السدود التي كان يقيمها المطهر على الماء، ثم اتهم بعض رجال المطهر إياه بأنه يكاتب الحسن سرا فخاف المطهر ان تنقص منزلته عند عضد الدولة من جراء هذه التهمة ويشمت به أعداؤه كابي الوفاء فعزم على الانتحار فاخذ سكينا وقطع شرايين ذراعه فخرج منه الدم بغزارة فدخل فراشه ثم صاح فدخل الناس فرأوه على تلك الحال وظنوا ان أحدا فعل ذلك ثم مات ونقل إلى بلدة كازرون مدينة بايالة فارس فدفن فيها. وانفرد نصر بن هارون بوزارة عضد الدولة بعد انتحار المطهر.
وفي رجب من هذه السنة ارسل عضد الدولة جيشا إلى بني شيبان وكانوا قد أكثروا الغارات على البلاد وعقدوا بينهم وبين أكراد شهرزور مصاهرات وكانت شهرزور ممتنعة على الملوك فامر عضد الدولة جيوشه بالاستيلاء عليها لينقطع طمع بني شيبان فيها فاستولى جيش عضد الدولة عليها وهرب بنو شيبان منها وسار الجيش في طلب بني شيبان وأوقع بهم وقعة عظيمة قتل من بني شيبان فيها خلق كثير ونهبت أموالهم وسبيت نساؤهم وأسر منهم 800 أسير حملوا إلى بغداد.
وفي هذه السنة استولى عضد الدولة على سرماج وما يتصل بها من املاك حسنويه بن الحسين الكردي وقلاعها التي كانت قد توزعت بين أولاده بعد وفاته في أوائل هذه السنة وكف عادية الأكراد من بلاده.
وفي هذه السنة سار عضد الدولة إلى بلاد الجبل كرمانشاه فاستولى عليها. وكان سبب ذلك أن بختيار بن معز الدولة كان يكاتب ابن عمه فخر الدولة أخي عضد الدولة بعد موت ركن الدولة ويدعوه للاتفاق معه على عضد الدولة فاجابه إلى ذلك واتفقا وعلم عضد الدولة بذلك.
فكتم الامر إلى الآن. وبعد فراع عضد الدولة من أعدائه الذين مر ذكرهم راسل أخويه فخر الدولة ومؤيد الدولة وقابوس ابن وشمگير معاتبا فخر الدولة لمعارضته ومناوئته ونسيان عهد أبيه ثم استمالته وشاكرا مؤيد الدولة على طاعته له وطالبا إلى قابوس بحفظ العهود. فأجاب فخر الدولة جواب المناظر المناوئ وأجاب قابوس جواب المراقب المتهيب، وعند ما تسلم عضد الدولة جواب فخر الدولة عزم على المسير من بغداد إلى الجبل واصلاح اعمال أخيه فيها. فسارت عساكره نحو الجبل وأقام هو بظاهر بغداد ثم سار هو أيضا نحو الجبل ووصلته الاخبار بتسلم عساكره همذان واستئمان عدد كبير من قواد فخر الدولة وحسنويه ووصل إلى عضد الدولة أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه وزير فخر الدولة ومعه جماهير أصحابه فخاف عندئذ فخر الدولة من أخيه وخرج من همذان هاربا إلى الديلم وخرج منها إلى جرجان فنزل على شمس المعالي قابوس بن وشمگير والتجا إليه فامنه ووآه. فملك عضد الدولة ما كان بيد فخر الدولة همدان والري وما بينهما من البلاد وسلمها إلى أخيه الاخر مؤيد الدولة وجعله خليفته ونائبه فيها. ونزل الري واستولى على تلك النواحي. ثم عرج عضد الدولة إلى ولاية حسنويه الكردي فقصد نهاوند والدينور وقلعة سرماج وملكها كلها.
وقد اشتد على عضد الدولة في هذا السفر مرض الصرع الذي كان قد أصيب به في الموصل كما أنه صار كثير النسيان لا يذكر الشئ الا بعد جهد كبير ولكنه كتم كل ذلك.
وفي هذه السنة أيضا ارسل عضد الدولة جيشا إلى الأكراد الهكارية من اعمال الموصل فأوقع بهم وحصر قلاعهم واستسلم الأكراد الذين كانوا معتصمين فيها ونزلوا مع العسكر إلى الموصل ولكن مقدم الجيش غدر بهم وصلبهم على جانبي الطريق من معلثايا إلى الموصل.
وفي هذه السنة ورد رسول العزيز بالله صاحب مصر إلى عضد الدولة. وفيها أيضا قبض على محمد بن عمر العلوي وانفذه إلى فارس وأرسل إلى الكوفة فقبض أمواله وسلاحه واصطنع عضد الدولة أخاه أبا الفتح احمد وولاه الحج بالناس. وفيها تجددت المصاهرة بين الخليفة الطائع لله وعضد الدولة حيث تزوج الخليفة ابنة عضد الدولة وكان غرض هذا من هذه المصاهرة أن تلد ابنته ولدا ذكرا فيجعله ولي عهده فتكون الخلافة في ولد لهم فيه نسب وكان الصداق مائة ألف دينار. وتم الزفاف في سنة 370 ه وكان معها من الجواهر شئ لا يحصى.
وفي هذه السنة حدثت فتنة عظيمة بين عامة شيراز من المسلمين والمجوس نهبت فيها دور المجوس وخربوا وقتل منهم جماعة. فسمع عضد الدولة بالخبر فسير إليهم من جمع كل من له أثر في ذلك وضربهم وبالغ في تأديبهم وزجرهم. وفي هذه السنة فقبض عضد الدولة على النقيب أبي احمد الحسين الموسوي والد الشريفين المرتضى والرضي لأنه اتهم بأنه يفشي الاسرار وأن عز الدولة بختيار ترك عنده عقدا ثمينا فأنكر إفشاءه للاسرار واعترف بالعقد فاخذه منه عضد الدولة وعزله عن نقابة الطالبيين. كما قبض على أخيه أبي عبد الله وعلى قاضي القضاة أبي محمد وسير هذا إلى فارس واستعمل على قضاء القضاة أبا سعد بشر بن الحسين وكان مقيما بفارس واستناب على القضاء ببغداد.
وفي هذه السنة طلب عضد الدولة من الخليفة الطائع أن يجدد عليه الخلع والجواهر وأن يزيد في انشائه تاج الدولة فاجابه إلى ذلك وخلع عليه في أنواع الملابس ما لم يتمكن معه من تقبيل الأرض بين يدي الخليفة وفوض إليه ما وراء بابه من الأمور ومصالح المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها.
وفي سنة 370 ارسل الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد إلى عضد الدولة بهمذان رسولا من عند أخيه مؤيد الدولة يبذل له الطاعة والموافقة فالتقاه عضد الدولة بنفسه وأكرمه واقطع أخاه مؤيد الدولة همذان وغيرها وأقام عند عضد الدولة إلى أن عاد إلى بغداد فرده إلى مؤيد الدولة فاقطعه اقطاعا كثيرة وسير معه عسكرا يكون عند مؤيد الدولة في خدمته.
وفيها استولى عضد الدولة على قلاع أبي عبد الله المري بنواحي الجبل وكان منزله بسنده وله فيها مساكن نفيسة.
وفي هذه السنة وردت على عضد الدولة هدية من صاحب اليمن فيها قطعة واحدة من عنبر وزنها 56 رطلا.
وفيها عاد عضد الدولة من همذان إلى بغداد فلما وصلها بعث إلى الخليفة الطائع لله ليتلقاه فما وسع هذا التخلف ولم تجر عادة بذلك ابدا أمر قبل دخوله أن من تكلم أو دعا له قتل فما نطق مخلوق فأعجبه ذلك.