مالك وعكرمة وأبو العالية والشعبي وقال الحسن البصري بالتخيير بين الغسل والمسح واليه ذهب الطبري والجبائي الا انهما قالا يجب مسح القدمين ولا يجوز الاقتصار على مسح ظاهر القدم وقال الحق (1) من أئمة الزيدية يجب الجمع بين الغسل والمسح وقال باقي الجمهور بوجوب الغسل لأن عثمان لما وصف وضوء رسول الله ص رأى قوما يتوضؤن وأعقابهم تلوح فقال ويل للأعقاب من النار ورد الأول بمعارضته بالاخبار المتقدمة التي هي أكثر رواية وأوضح اسناد ولا أقل من التساوي فيجب التساقط والرجوع إلى كتاب الله وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله وأما الثاني فلا دلالة فيه على الغسل بوجه من وجوه الدلالات ولو سلمنا فالمراد من غسل الأعقاب النجاسة لانهم كما روي عنهم يبولون وهم قيام فيشر شر البول على أعقابهم وأرجلهم فلا يغسلون ويدخلون المسجد وكان ذلك سببا لهذا الوعيد هذا ما يتعلق بالسنة وأما الكتاب فهو ظاهر بل صريح في وجوب المسح على القدمين لا يرتاب فيه ذو بصيرتين قال الله تعالى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ووجه الدلالة على قراءة الجر ظاهرة ولا تنافيها قراءة النصب لجواز العطف على موضع الجار والمجرور فان مثله كثير في كلام العرب قالوا ليس فلان بقائم ولا ذاهبا وانشسدوا فلسنا بالجبال ولا الحديدا (2) وقال تأبط شرا.
هل أنت باعث دينار لحاجتنا * أو عبد رب أخا عون بن مخراق فعطف عبد النصب على دينار (3) ومثله قول الشاعر:
جئني بمثل بني بدر وقومهم * أو مثل (4) اخوة منظور بن سيار فعطف مثل الثانية بالنصب على مثل الأولى إلى غير ذلك ويمكن جعل الواو للمعية أيضا وعلى كل حال فلا تعارض بين القراءتين ووجه الاستدلال بالآية على الغسل عند الجمهور قراءة النصب في أرجلكم فجعلوها معطوفة على الوجوه والأيدي المغسولة وحمل بعضهم قراءة الجر في الأرجل على المجاورة للرؤوس وبعضهم جعلها معطوفة على الرؤوس قال المراد بالمسح هو الغسل وقال المسح خفيف الغسل وقال الزجاج إذا قرأ بالجر يكون عطفا على الرؤوس فيقتضي كونه ممسوحا قال والخفض على الجوار في كتاب الله تعالى ولكن المسح على هذا في القرآن كالغسل قال الأخفش هو معطوف على الرؤوس في اللفظ مقطوع عنه في المعنى كقول الشاعر أعلفتها تبنا وماء باردا (5) ويرد عليهم ان العطف على القريب أولي من العطف على البعيد ان لم يكن متعينا لان الجملة الأولى الآمرة بالغسل قد انقطعت وبطل حكمها باستئناف الجملة الثانية المخالفة لها فلا يجوز ان يعطف عليها أحد جزئي الجملة الثانية فان ذلك يجري مجرى قولهم ضربت زيدا وأكرمت عمروا وبكرا فان عطف بكر على خالد هو الذي لا يسوع سواه ولا يجوز عطفه على عمرو المضروب الذي قد انقطع حكمه ولو جاز ذلك لكان العطف على القريب أولى وأرجح واما حمل قراءة الجر على الجوار فقد تقدم عن الزجاج جواز ذلك في الكلام فإنما يجوزه مع فقد حرف العطف وكلما استشهد به عليه فهو من هذا الباب كما في: جحر ضب خرب وقول امرئ القيس.
كان ثبيرا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل وأيضا فجواز ذلك مشروط بارتفاع اللبس كما في الأمثلة وليست الآية من هذا الباب. وثالثا فان جماعة من النحويين منعوا الجر بالمجاورة فهو في الحقيقة موافق لنا من حيث لا يدري واما من جعله مثل قول الشاعر علفتها تبنا وماء باردا فهو أبعد من الجميع فان ذلك انما يجوز إذا استحال حمل الكلام على ظاهره واما مع الإمكان فلا. وانما أطلنا الكلام في هذا المقام لنرد به شبه المخالفين وقد جرى بين الحقير وبين كثير من علمائهم أبحاث طويلة عريضة في هذا وأمثاله وكانت الغلبة من فضل الله تعالى لي عليهم وشهد بها جماعة منهم في حضرة ملك قطرنا انتهى ومراده بملك قطره هو عبد الله باشا المذكور، قوله فان ذلك يجري مجرى الخ لا يخفى ان ذلك هو عين التعقيد المعنوي الذي ذكره أهل البيان في مثل قول الفرزدق:
وما مثله في الناس الا مملكا * أبو أمه حي أبوه يقاربه وهو يخل ببلاغة الكلام وفصاحته ومثله المثال الذي ذكره الجد في كلامه. ويقال انه كان لعبد الله باشا امرأة يحبها فقال لها أنت طالق ثلاثا لأمر أغضبه منها فسال العلماء عن ذلك فأجابوه بتحريمها حتى تنكح زوجا غيره فعظم ذلك عليه وسال الجد عن أمرها فأبان له المخرج من ذلك بدون أن تنكح زوجا غيره ويمكن أن يكون أفتاه ببطلان الطلاق لعدم الشهود العدول كما هو رأي الشيعة وكما يدل عليه قوله تعالى واشهدوا ذوي عدل بعد آية الطلاق والامر للوجوب وان قوله ثلاثا لا يجعل الطلاق ثلاثا ولا يخرج عن كونه طلقة واحدة بعد فرض صحته. كما يحكى مثل ذلك عن العلامة الحلي قدس الله روحه انه لما طلبه السلطان الجايتو محمد المغولي الملقب بشاه خدابنده على ما حكاه التقي المجلسي في شرح الفقيه وذلك أن السلطان غضب على إحدى زوجاته فقال لها أنت طالق ثلاثا ثم ندم فسال العلماء فقالوا لا بد من المحلل فقال لكم في كل مسالة أقوال فهل يوجد هنا اختلاف قالوا لا فقال أحد وزرائه: في الحلة عالم يفتي ببطلان هذا الطلاق إلى آخر القصة حين استدعاه الملك وسأله عن الطلاق فقال إنه باطل لعدم وجود الشهود العدول وجرى البحث بينه وبين العلماء حتى ألزمهم جميعا مما أدى إلى أن تشيع الملك وخطب بأسماء الأئمة الاثني عشر في جميع بلاده وأمر فضربت السكة بأسمائهم وأمر بكتابتها على المساجد والمشاهد قال والموجود بأصبهان في الجامع القديم في ثلاثة مواضع بتاريخ ذلك الزمان وفي معبد يرمكران لنجان ومعبد الشيخ نور الدين من العرفاء وعلى منارة دار السيادة التي تممها السلطان المذكور بعد ما ابتدأ بها أخوه غازان كله من هذا القبيل وكان من جملة القائمين بمناظرته الشيخ نظام الدين عبد الملك المراغي أفضل علماء الشافعية فغلبه العلامة واعترف المراغي بفضله كما عن تاريخ الحافض الأبرد من علماء السنة وغيره اه.
وحكي ان العامل في تبنين من قبل عبد الله باشا ويسمى يومئذ المتسلم صدر منه بعض التقصير في شأن الجد ولم يكن يعلم بمنزلته عند الباشا فاتفق ان جاء عبد الله باشا إلى تبنين وحضر لزيارته وكان خط المتسلم ان يقف مع الخدم فلما دخل الجد على الباشا ورأى المتسلم اعظام الباشا له خاف خوفا شديدا وظن أنه لا بد ان يخبر الباشا بتقصيره معه فقال الباشا للجد كيف رضاكم عن المتسلم وهل هو قائم بما يلزم من خدمتكم فقال نعم ومدح المتسلم كثيرا فسر الباشا من المتسلم ولما انقضى المجلس جاء المتسلم إلى الجد وجعل يقبل