وابن الأنباري، ونفطويه، ومن اللغويين: ابن دريد، وعبد الرحمن الهمذاني، والسجستاني. ومن المؤرخين البلاذري وابن طيفور، والطبري ومن الجغرافيين: ابن الحائك وابن الفقيه. ومن الشعراء: علي بن الجهم وابن المعتز، وغيرهم.
أصله لم يكن ابن الرومي عربي الأصل، وانما كان مستعربا، وكانت العربية لغته، قد شب وشاب بين العرب، نطق بلسانهم، وحذق علومهم، واستظل بمدنيتهم، غير أنه احتفظ بطبيعة جنسه حتى صارت روميته المتمسك بها مفتاح شعره ونفسه. وقد وصف العقاد ذلك بقوله: فالرومية هي أصل هذا الفن الذي اختلف به ابن الرومي عن عامة الشعراء في هذه اللغة، وهي السمة التي أفردته بينهم، إفراد الطائر الصادح في غير سربه.
وهو يذكر في عدة مواضع في ديوانه ان الروم أصله، وإن كان جده لامه فارسيا، كما أن جده لأبيه رومي... فهو القائل:
وإذا ما حكمت والروم قومي * في كلام معرب كنت عدلا انا بين الخصوم فيه غريب * لا ارى الزور للمحاباة أهلا شعره ابن الرومي شاعر فحل، ومصور بارع، دقيق المعاني، عميق الفكر، بديع التصوير، وهو عند ابن رشيق القيرواني، أولى الناس باسم الشاعر لكثرة اختراعه، وحسن افتنانه. وقد أعجب به ابن خلكان فقال: هو صاحب النظم العجيب، والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة، فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة، ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى اخره، ولا يبقى فيه بقية. ويمتاز شعره بطول النفس مع المحافظة على السلاسة، فهو مقتدر على الاسهاب في النسج دون تعب أو تكلف ظاهر، فنحن لا نرى لشاعر عربي ما نراه لابن الرومي من كثرة المطولات التي تتجاوز المئة والخمسين بيتا، وأكثرها حسن السبك، كثير الألوان المعنوية، تدل على غزارة مادته اللغوية ومهارته في استخدام الألفاظ لمعانيه. فهو فياض كثير الاطناب والمراجعة بعيد المدى في ميدان النظم. وقد خالف الشاعر سنة الذين جعلوا البيت وحدة النظم وجعل القصيدة كلا واحدا لا يتم بغير لمام المعنى الذي اراده على النحو الذي نحاه. فقصائده موضوعات كاملة، مؤلفة تأليفا منطقيا وفنيا لا عوج فيه ولا ضعف. ولم يكن ابن الرومي المفرد العلم من شعراء عصره النازع إلى التحليل والتعمق في الشعر، فقد كان أبو تمام شديد النزوع إلى هذا الباب، إلى أبعد الحدود، وقد بلغ الولوع بالمعاني عند الشاعرين حتى أنهما اكثرا من توكيد المعنى بالمعنى في شعرهما.
عرف ابن الرومي انه برع في التمثيل وهو أدق من التشبيه وأكثر لطفا وأجمل صفاء، فقد يكون قصارى الشاعر المشبه ان يشبه ممدوحه بالبحر في الجود، والقمر في السناء، والسيف أو القدر في المضاء، ولكن الشاعر بز بهذه الأبيات التي يمدح فيها أبا القاسم وزير الخليفة المعتضد بقوله:
إذا أبو قاسم جادت لنا يده * لم يحمد الأجودان: البحر والمطر وان أضاءت لنا أنوار غرته * تضاءل النيران: الشمس والقمر وان نضا حده أو سل عزمته * تأخر الماضيان: السيف والقدر من لم يبت حذرا من سطو صولته * لم يدر ما المزعجان: الخوف والحذر ينال بالظن ما يعيا العيان به * والشاهدان عليه: العين والأثر ويعين ابن الرومي على قدرة الوصاف فيه، عين المصور الماهر، وريشته الساحرة، فقد شغف الشاعر بالحياة وأحب ان يعيش قويا ليتمتع بجمالها وأطايبها، فكان كله شهوات حين يأكل وحين يشرب وحين يجلس إلى مائدة فيصورها بما فوقها من أطايب الطعام. وقد وهبته الطبيعة حسا دقيقا، فكان يرى فيه أدق الألوان واخفى الأصوات والحركات. وقد ترك لنا أوصافا كثيرة تجعله من كبار الوصافين في الرياض والأزهار والفواكه والطعام والشراب والطيور وبني الإنسان، وقد رسمها في لوحات كاملة رائعة ذات ظلال واضواء جميلة متناسقة خلابة... لاحظ كيف يصف رياضا تختال في أزهارها مراقبا صحوات الحياة فيها بدقة وانتباه فيقول:
ورياض تخايل الأرض فيها * خيلاء الفتاة في الابراد ذات وشى تناسجته سوار * لبقات بحوكة وغواد شكرت نعمة الولي على الوسمي * ثم العهاد بعد العهاد فهي تثني على السماء سماء * طيب النشر شائعا في البلاد من نسيم كان مسراه في الأرواح * مسرى الأرواح في الأجساد حملت شكرها الرياح فادت * ما تؤديه ألسن العواد تتداعى بها حمائم شتى * كالبواكي والقيان الشوادي من مثان ممتعات قران * وفراد مفجعات وحاد تتغنى القران منهن في الأيك * وتبكي الفراد شجو الفراد وابدع في وصف الشيب والشباب والبكاء على عهود الصبا النواضر، فأطال فيها وأجاد متوافرا على استيفاء المعاني وتقصيها، وتدقيقه في رسم الظلال لها، وهو بذلك يسجل أجمل ما قيل في هذا الباب مما يقل نظيره في الأدب العربي.
وفيه يقول مرحبا.
وقلت مسلما للشيب: أهلا * بهادي المخطئين إلى الصواب أ لست مبشري في كل يوم * بوشك ترحلي اثر الشباب لقد بشرتني بلحاق ماض * أحب إلي من برد الشراب فلست مسميا بشراك نعيا * وان اوعدت نفسي بالذهاب وأنت وان فتكت بحب نفسي * وصاحب لذتي دون الصحاب فقد أعتبتني وأمت حقدي * بحثك خلفه عجلا ركابي إلى أن يقول:
يذكرني الشباب جنان عدن * على جنات انهار عذاب تفئ ظلها نفحات ريح * تهز متون أغصان رطاب إذا ماست ذوائبها تداعت * بواكي الطير فيها بانتحاب يذكرني الشباب وميض برق * وسجع حمامة، وحنين ناب فيا أسفا ويا جزعا عليه * ويا حزنا إلى يوم الحساب أ أفجع بالشباب ولا أعزى * لقد غفل المعزي عن مصابي تفرقنا على كره جميعا * ولم يك عن قلى طول اصطحاب وكانت أيكتي ليد اجتناء * فعادت بعده ليد احتطاب