إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الدفاع عن رسول الله ص إلا ما كان من أبي لهب فإنه لم يجتمع معهم على ذلك. ولم يؤثر عن أبي لهب خير قط إلا ما روي أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي لما وثب عليه قومه ليعذبوه ويفتنوه عن الاسلام وهرب منهم فاستجار بأبي طالب. وأم أبي طالب مخزومية وهي أم عبد الله والد رسول الله ص فأجاره فمشى إليه رجال من بني مخزوم وقالوا له يا أبا طالب هبك منعت منا ابن أخيك محمدا فما لك ولصاحبنا تمنعه منا قال أنه استجار بي وهو ابن أختي (1) وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي فارتفعت أصواتهم وأصواته فقام أبو لهب ولم ينصر أبا طالب قبلها ولا بعدها فقال يا معشر قريش والله لقد أكثرتم في هذا الشيخ لا تزالون تتوثبون عليه في جواره من بين قومه أما والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه فيما قام فيه حتى يبلغ ما أراد فقالوا بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة فقاموا فانصرفوا وكان وليا لهم ومعينا على رسول الله وأبي طالب فاتقوه وخافوا أن تحمله الحمية على الاسلام.
خبر الصحيفة وحصار بني هاشم في الشعب الشعب ثم لما رأت قريش أنها لا تصل إلى محمد ص لقيام أبي طالب دونه أجمعت على أن يكتب بينها وبين بني هاشم صحيفة يتعاقدون فيها على أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم أو يسلموا إليهم رسول الله فكتبوها وختم عليها أربعون خاتما وعلقوها في جوف الكعبة تأكيدا على أنفسهم وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فشلت يده فيما يذكرون فلما فعلوا ذلك انحازت بنو هاشم والمطلب فدخلوا كلهم مع أبي طالب في الشعب فاجتمعوا إليه وكانوا أربعين رجلا ما عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وظاهر أبو لهب قريشا على قومه وحصن أبو طالب الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار فضاق الامر ببني هاشم وعدموا القوت الا ما كان يحمل إليهم سرا وخفية وهو شئ قليل لا يمسك ارماقهم وأنفقت خديجة فيه مالا كثيرا على النبي ص.
وأخافتهم قريش فلم يكن يظهر منهم أحد ولا يدخل إليهم أحد وذلك أشد ما لقي رسول الله ص وأهل بيته بمكة وكانوا لا يأمنون الا بموسم العمرة في رجب وموسم الحج في ذي الحجة فاقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا ولا يصل إليهم شئ الا القليل سرا ممن يريد صلتهم من قريش وقد كان أبو جهل بن هشام لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ومع غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد وهي عند رسول الله ص محاصرة في الشعب فتعلق به وقال أ تحمل الطعام إلى بني هاشم والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة فجاءه أبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى فقال ما لك وله قال أنه يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال أبو البختري يا هذا ان طعاما كان لعمته عنده بعثت إليه فيه أ فتمنعه أن يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فابى أبو جهل حتى نال كل منهما من صاحبه فاخذ أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه ووطئه وطئا شديدا فانصرف وهو يكره أن يعلم رسول الله ص وبنو هاشم بذلك فيشتموا.
ثم بعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلتها قيل الا اسم الله واطلع الله رسوله على ذلك فذكره رسول الله ص لعمه أبي طالب فقال أبو طالب ربك أطلعك على هذا قال نعم قال فوالله ما يدخل عليك أحد فانطلق في عصابة من بني هاشم والمطلب إلى المسجد فلما رأتهم قريش أنكروا ذلك وظنوا انهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله ص فقالوا لأبي طالب قد آن أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم فقال إنما اتيتكم في أمر نصف بيننا وبينكم أن ابن أخي اخبرني أن هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث الله عليها دابة فأبقت اسم الله وأكلت غدركم وتظاهركم علينا بالظلم فإن كان كما قال فلا والله لا نسلمه حتى نموت عن آخرنا وإن كان باطلا دفعناه إليكم قالوا قد رضينا ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر الصادق ص فقالوا هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغيا وعدوانا فقال أبو طالب يا معشر قريش فيم نحصر ونحبس وقد بان الامر وتبين انكم أولي بالظلم والقطيعة ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة وقال اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا ثم انصرف إلى الشعب نقض الصحيفة وخروج بني هاشم من الشعب ولما أراد الله سبحانه ابطال الصحيفة والفرج عن بني هاشم من الضيق والأذى الذي كانوا فيه قيض هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فقام في ذلك أحسن قيام وذلك أن أباه عمرو بن الحارث كان أخا لنضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي من امه فكان هشام بن عمرو بحسب ذلك واصلا لبني هاشم وكان ذا شرف في قومه بني عامر بن لؤي فكان يأتي بالبعير ليلا وقد أوقره طعاما وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب حتى إذا اقبل به إلى فم الشعب قمع بخطامه من رأسه ثم يضربه على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به مرة أخرى قد أوقره تمرا فيصنع به مثل ذلك ثم أنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي وهو ختن أبي طالب على ابنته عاتكة فقال يا زهير أ رضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يبتاعون ولا يبتاع منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم ولا يواصلون ولا يزارون إما اني احلف لو كان أخوال أبي الحكم بن هشام ودعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك ابدا قال ويحك يا هشام فما ذا اصنع إنما انا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقض هذه الصحيفة القاطعة قال قد وجدت رجلا قال من هو قال انا قال زهير ابغنا ثالثا فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم أ رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف جوعا وجهدا وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه إما والله لئن أمكنتموهم من هذا لتجدن قريشا إلى مساءتكم في غيره سريعة قال ويحك ما ذا اصنع إنما انا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا قال من هو قال انا قال ابغني ثالثا قال قد وجدت قال من هو قال زهير بن أبي أمية قال ابغنا رابعا فذهب إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحو ما قال للمطعم قال وهل من أحد يعين على هذا قال نعم وذكرهم له قال فابغنا خامسا فمضى إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى فكلمه فقال وهل يعين على ذلك من أحد قال نعم ثم سمى له القوم فاتعدوا حطم الحجون ليلا بأعلى مكة فاجمعوا امرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها وقال زهير انا أبدؤكم وأكون أولكم في التكلم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير عليه حلة له فطاف بالبيت سبعا