(كتاب القراض المضاربة) القراض والمضاربة اسمان بمعنى واحد، وهو أن يدفع الانسان إلى غيره مالا يتجر به على أن ما رزق الله من ربح كان بينهما على ما يشتر طانه. والقراض لغة أهل الحجاز والمضاربة لغة أهل العراق، وقيل في اشتقاقه شيئان أحدهما أنه من القرض وهو القطع، ومنه قيل: قرض الفأر الثوب، إذا قطعته، ومعناه ههنا أن رب المال قطع قطعة من ماله يسلمها إلى العامل وقطع له منه قطعة من الربح ومنه يسمى القرض قرضا لأن المقرض يقطع قطعة من ماله يدفعها إلى المقترض والآخر أن اشتقاقه من المقارضة وهي المساواة والموازاة، يقال: تقارض الشاعران إذا تساويا في قول كل واحد منهما في صاحبه من مدح وهجو.
وروي عن أبي الدرداء أنه قال: قارض الناس ما قارضوك فإن تركتهم لم يتركوك يعني ساوهم فيما يقولون فيك، ومعناه ههنا من وجهين: أحدهما من رب المال المال ومن العامل العمل، والثاني يساوي كل واحد منهما صاحبه في الاشتراك في الربح، و المقارض بكسر الراء رب المال، والمقارض بفتح الراء العامل.
وأما المضاربة فاشتقاقها من الضرب بالمال، والتقليب له، وقيل اشتقاقها من أن كل واحد من رب المال والعامل يضربان في الربح والأول أصح والمضارب بكسر الراء العامل لأنه هو الذي يضرب فيه ويقلبه، وليس لرب المال اشتقاق منه.
يدل على ذلك ما رواه الحسن عن علي عليه السلام أنه قال إذا خالف المضارب فلا ضمان، هما على ما شرطاه، والظاهر أنه أراد العامل لأن الخلاف منه، والضمان بالتعدي عليه.
وعلى جوازه دليل الكتاب وإجماع الأمة فالكتاب قوله تعالى: " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " [وقال الله تعالى: " وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله "] (1) ولم يفصل، وأما الاجماع فإنه لا خلاف فيه