(كتاب الوقوف والصدقات) وجوه العطايا ثلاثة: اثنان منها في الحياة، وواحد بعد الوفاة، فأما الذي بعد الوفاة فهو الوصية، ولها كتاب مفرد نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى، وأما اللذان في حال الحياة فهما الهبة والوقف: فالهبة لها باب مفرد يجئ فيما بعد، وأما الوقف فهذا موضعه.
إذا ثبت هذا فالوقف تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، وجمعه وقوف وأوقاف يقال وقفت ولا يقال أوقفت إلا نادرا شاذا، ويقال حبست وأحبست، فإذا وقف شيئا زال ملكه إذا قبض الموقوف عليه أو من يتولى عنه وإن لم يقبض لم يمض الوقف، ولم يلزم وقال قوم يلزم بنفس الوقت وإن لم يقبض والأول أصح.
فإذا قبض الوقف، فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك، ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة ولا غيرهما ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه، وليس من شرط لزومه حكم الحاكم به وفيه خلاف.
وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا حبس بعد سورة النساء وفي حديث آخر عن شريح قال جاء محمد بإطلاق الحبس، فالمعنى في ذلك في أحد أمرين أحدهما أراد حبس الزواني اللاتي ذكرهن في قوله " فأمسكوهن في البيوت " وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
والثاني أراد الحبس الذي كان يفعله الجاهلية في نفي السائبة والبحيرة و الوصيلة والحام، قال الله تعالى " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ".
فالسائبة هي الناقة تلد عشر بطون كلها إناث فتسيب تلك الناقة فلا تركب ولا تحلب إلا للضيف.