أحدهما مستلزما لثبوته على الاخر، وهذا خلاف الامتنان الذي هو شرط تشريع قاعدة نفي الضرر، فيعلم عدم جعل الشارع لهما، فلا تكون الأقلية مرجحة هنا، لان نفي الأكثر منة على خصوص من نفي عنه، وضرر على غيره، بل لا بد حينئذ من الرجوع إلى سائر القواعد أو الأصول من قاعدتي السلطنة والحرج، وأصل البراءة، والقرعة وغيرها.
وكذا الحال في تعارض قاعدتي الضرر والحرج، وتعارض الحكمين الحرجيين، فان شرط الجعل فيها - وهو الامتنان - مفقود، لاستلزام نفي كل منهما ثبوت الاخر، وهو خلاف المنة على الأمة، فلا بد فيها من إعمال قواعد التعارض والرجوع إلى القواعد و الأصول.
وأما السلطنة والضرر فلا تعارض بينهما، حيث إن السلطنة من الاحكام الأولية التي تكون قاعدة الضرر حاكمة عليها، ومنع إطلاق السلطنة لصورة الضرر ممنوع، إذ لا معنى لان يكون مفاد (الناس مسلطون على أموالهم) مجرد عدم حجر المالك عن التصرف في ماله، فإنه توضيح للواضح، ويشبه أن يكون من قبيل (النار حارة) وحمل كلام من كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق على هذا الامر البديهي الذي يعرفه كل أحد كما ترى.
فالانصاف أنه لا قصور في إطلاق السلطنة لجميع الشؤون المتعلقة بالمال من التصرفات الخارجية والاعتبارية والانتفاعات العادية كالاستظلال بالأشجار والجدران وحفظه من التلف والنقص، فان كل ذلك من شؤون السلطنة على المال، فسلطنة الجار مثلا على حفظ ماله من التلف والنقص ثابتة له، غايته أن ضرر المالك حاكم عليها. وللبحث هنا مجال واسع، الا أن اختلال الحال وتشويش البال و تراكم الهموم والأهوال قد حالت بيني وبين ما أردته من إشباع الكلام والنقض والابرام بما يناسب المقام، ولذا صار هذا آخر ما جرى عليه القلم، وبه انتهت