منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٦ - الصفحة ١٧٤
لو التفتوا إليه لرفعوا اليد عن سيرتهم، ومن المعلوم أن مثل هذه السيرة لا عبرة بها، فان إمكان تأثير العلة الثانية عقلا فيما أثرت فيه العلة الأولى كاف في الردع عن هذا البناء العقلائي، فان حال العلم في تنجيز معلومه حينئذ كحال الوجود بالنسبة إلى الماهية، حيث إن تحصلها في كل آن انما هو بإفاضة الوجود عليها من مفيضه جل وعلى في ذلك الان، لا آن قبله ولا بعده.
وعلى هذا فإذا حصل العلم الثاني - بعد الملاقاة - بوجود النجس بين الملاقي والملاقى وطرفه كان اسناد التنجيز إلى العلم الاجمالي الأول فقط ترجيحا بلا مرجح، لعدم كون الأسبقية مرجحة عقلا بعد عدم القصور في تأثير العلم اللاحق أيضا حسب الفرض، ولما كان تأثير كل واحد من العلمين مستلزما لتوارد علتين مستقلتين على معلول واحد - وهو تنجز التكليف في عدل الملاقى - فلا مناص من تشريك كل منهما في التأثير واسناد التنجيز إليهما معا بقاء بعد أن استقل السابق منهما فيه حدوثا.
والحاصل: أن التخلص من الاشكال منوط بالالتزام بعدم قابلية الحكم المنجز للتنجز مرة أخرى على ما أوضحناه. فلو التزمنا بصلاحية كل واحد من العلمين للتنجيز لم تكن دعوى الانحلال العقلائي مجدية فيه، فلاحظ وتدبر.
وما قيل من: (أن التنجزات اللاحقة مستندة إلى المنجز الأول، ولذا لو خرج بعض الأطراف عن الابتلاء بقي التكليف على تنجزه في سائر الأطراف) قد عرفت المناقشة فيه، إذ بعد تسليم صلاحية المنجزات اللاحقة للتأثير لا وجه لاستناد التنجز إلى خصوص أسبق العلمين، الا مع عدم قابلية المعلوم للتنجيز ثانيا على ما تقدم.
وقد تحصل: أن الحكم في الصورة الأولى وهي لزوم الاجتناب عن الملاقي