ويلحق بهذا القسم الثاني، وهو ما لو فرض انه لو ترك التعلم قبل الوقت لما تمكن من الامتثال العلمي التفصيلي، الا انه كان متمكنا من الامتثال العلمي الاجمالي، كما لو دار امر الواجب بين المتباينين كالقصر والاتمام وكان بحيث لو ترك التعلم قبل الوقت لما تمكن من تمييز الواجب عن غيره بعده، ولكنه كان متمكنا من الاحتياط، وكما لو لم يعلم بمقدار النفقة الواجبة عليه على فرض الازدواج ولم يتمكن من معرفة ذلك بعده، ولكنه كان متمكنا من الاحتياط، بناءا على ما هو الحق من أن الامتثال الاجمالي انما هو في عرض الامتثال العلمي التفصيلي، فإنه حينئذ لا وجه لوجوب التعلم قبل الازدواج.
واما من حيث الامتثال في غير موارد دوران الامر بين المتباينين كما في المورد الثاني فقد يقال انه حيث يكون شاكا في التكليف فتجري البراءة عنه وان تمكن من الاحتياط فلا يجب عليه شئ، لكنه توهم فاسد إذ بعد حصول الشرط بما انه يحتمل التكليف، ولا محالة يحتمل العقاب على مخالفته، والعقل مستقل بوجوب دفع الضرر الأخروي المحتمل. بمعنى انه لو كان واجبا ولم يأت به أو كان حراما ففعل، وعاقبه المولى، يكون عقابه في محله فلابد من الاحتياط.
فان قيل إنه ما المانع من جريان البراءة عن ذلك التكليف المحتمل، ويرفع احتمال العقاب بها، فيرتفع موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر والمحتمل.
أجبنا عنه بان عدم جيران البراءة العقلية انما هو من جهة ان موضوعها عدم البيان، وحيث إن بيان المولى، ليس بايصال التكليف إلى العبيد بأي نحو أمكن، بل انما وهو بجعل القانون، ووضعه في معرض الوصول، بحيث لو تفحصوا عنه لو صلوا إليه، فلا موضوع لها في المورد، ومن لم يتفحص عنه مع التمكن منه قبل حصول الشرط لا يجرى في حقه هذه القاعدة، فان شئت فاختبر ذلك من حال الموالى والعبيد العرفية فإنه إذا ارسل المولى مكتوبا إلى العبد، وعين فيه تكاليفه في الشهر القادم، ووصل المكتوب إلى العبد ولكنه لم ينظر إليه حتى يعرف وظائفه، مستندا إلى أنه لا تحب المقدمة قبل وجوب ذيها، وبعد تحقق الشرط لم يتمكن من المراجعة إليه وتمكن من الاحتياط، ومع ذلك لم يحتط وترك واجباته، فهل يتوهم أحد بأنه ليس للمولى ان يعاقبه على ذلك لقاعدة قبح العقاب