الصورتين بذكر قاعدة كلية، وقوله: " لا يدخل الشك في اليقين " يراد به عدم مساواتهما في الأثر، فلا يقوى الشك على نقض اليقين، كما يقوى اليقين الآخر على نقض اليقين، فهو تأكيد قوله: " لا ينقض... إلى آخره ". وهكذا قوله: " ولا يخلط أحدهما بالآخر ".
وبعد ذلك كله فحيث إن الأصحاب لم يعملوا بهذا المعنى المدلول للصحيحة - وهي موافقة لقول العامة - فلا محالة تكون الصحيحة في عداد روايات متعددة كثيرة أخرى قد وردت بمضمون إيجاب الاتصال (1) لا محمل لها إلا التقية، والتقية كما يمكن أن تكون في مجرد تطبيق الاستصحاب على المورد أمكن أن تكون في أصل ذكر القاعدة الكلية، فنعلم إجمالا بعدم جريان أصالة الجهة في أحدهما، وحيث لا معين تسقط الصحيحة عن قابلية الاستدلال بها بنفسها لاعتبار قاعدة الاستصحاب.
نعم، بقرينة الصحيحتين السابقتين الأولى والثانية نعلم أن ذكر أصل القاعدة لم يصدر تقية، وإنما كانت التقية في التطبيق، كما في قول أبي عبد الله (عليه السلام) لأبي العباس اللعين حينما قال: " يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم؟ " فقال (عليه السلام):
" ذاك إلى الإمام، إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا " (2).
فالحاصل: أن ظاهر الصحيحة بمقتضى أصالة الجهة كون ذكر القاعدة وتطبيقها على المورد لبيان حكم الله الواقعي، لكن القرينة القائمة المنفصلة أوجبت رفع اليد عنها: إما في أصل الكبرى، وإما في خصوص التطبيق، وحيث لا ترجيح تسقط عن قابلية الاستدلال.
إن قلت - كما في تقريرات بعض المحققين -: إن تحقق المعارضة بينهما فرع ترتب أثر عملي على أصالة الجهة في طرف التطبيق، حتى في فرض صدور الكبرى تقية، وإلا فبدونه لا يجري فيه الأصل المزبور، وحيث إنه لا أثر عملي