إنما الوظيفة هو الفحص والسؤال وتعلم التكاليف، وإذا قصر عنها يؤاخذ ويقال له يوم القيامة: " أفلا تعلمت حتى تعمل؟ ".
وهذه الأدلة اللفظية من الآيات والروايات هي عمدة الوجه لتقييد إطلاق أدلة البراءة الشرعية.
وقد يستدل لوجوب الفحص وعدم جواز الرجوع إلى الإطلاق بالعلم الإجمالي وتقريره: أن كل مجتهد قبل الأخذ في استعلام الأحكام الشرعية فهو يعلم إجمالا بأن هنا عددا من الواجبات والمحرمات قام عليها أدلة معتبرة سندا ودلالة، بحيث لو فحص عنها في مظانها لظفر بها. وقد تقرر أن العلم الإجمالي يوجب الموافقة القطعية في جميع أطرافه، وأن التكليف الواقعي الموجود في كل من أطرافه يتنجز به، وحينئذ فإذا شك في وجوب شئ أو حرمته فقبل الفحص عنه يحتمل كونه من أطراف ذاك العلم الإجمالي، ولو كان لكان منجزا خارجا عن إطلاق مثل حديث الرفع حكما، فلا يجوز الاستناد في رفعه إلى مثله، فإنه من قبيل الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقية لمخصصه، فإذا تفحص مظانه ولم يجد عليه دليلا معتبرا فلا محالة يقطع بأنه لم يكن من أطراف ذاك العلم الإجمالي، إلا أنه مع ذلك لما كان شاكا في وجوبه أو حرمته يجري فيه أدلة البراءة الشرعية. هذا.
وقد أورد عليه بوجوه ثلاثة:
أحدها: أنه كالخروج عن موضوع الكلام، إذ محل الكلام هو الرجوع إلى البراءة في الشبهة البدوية، وهذا الوجه مؤداه عدم جوازه في الشبهة التي من أطراف العلم الإجمالي.
وفيه: أن عمدة محل الكلام هو إجراء البراءة في الشبهات الحكمية قبل الفحص عن الأدلة، ومؤدى هذا الوجه عدم جواز إجرائها، غاية الأمر أن ملاك العدم بناء عليه هو العلم الإجمالي. وبالجملة: فمصب جميع الكلمات مورد واحد، هو: أنه هل يجوز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص أم لا؟ والاستدلال عليه بالعلم