فقاعدة قبح العقاب واردة على قاعدة وجوب دفع العقاب المحتمل، لا العكس.
ولو أريد به الضرر غير العقاب فلا يسلم حكم العقل بوجوب دفع جميع أنواع الضرر، فضلا عن المفاسد التي هي ملاكات الأحكام، ولو سلم فحكمه هذا إرشاد محض لكي لا يصيب الضرر ذيل المكلف، وإلا فالتكليف المجهول يقبح العقاب عليه بلا بيان، فإذا لم يراع المكلف هذا الحكم الإرشادي فلا يصيبه أزيد من الوقوع في المفسدة التي لا تنفك عن المحرمات، وهو مفروض لا محيص عنها، ولا بأس به.
وهذا تمام الكلام في أدلة القول بالبراءة.
وقد عرفت تمامية دلالة حديث الرفع على البراءة في جميع موارد احتمال التكليف، وجوبا كان أو حرمة، وهو ينفي إيجاب الاحتياط في موارده، كما أنه قد استقل العقل ودل بعض الآيات بل الأخبار أيضا بأنه لا عقاب قبل العلم بالتضييق، ولو بعنوان إيجاب الاحتياط، وهذه لا تقاوم ما يدل على إيجابه لو كان، فلتنظر.
أدلة القائلين بالاحتياط:
استدل لهم بالأدلة الثلاثة:
فمن الكتاب بطوائف ثلاث من الآيات:
الأولى: ما دل على حرمة القول بغير علم، مثل قوله تعالى: * (قل إنما حرم ربي الفواحش... وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * (1)، بتقريب: أن الإقدام على إتيان محتمل الحرمة مسبوق لا محالة بالفتوى بالجواز، وهي قول بغير علم، بخلاف الترك فإنه يمكن أن يستند إلى الاحتياط العملي لمجرد احتمال الحرمة.
وفيه بعد النقض بقولهم بالبراءة في الشبهة التحريمية: أن الارتكاب لا يحتاج إلى أزيد من القطع بعدم العقاب عليه، وهو حاصل بعد حكم العقل به، بل لا يمكن القائل بالبراءة أن يفتي بالجواز، لأن حديث الرفع أيضا لا يدل على أزيد من