وأما إذا كان لا من القسم الأول ولا من الثاني فالحكم ببقائه لا يحل مشكلا عمليا، فإن الانتقال منه إلى الحكم العملي حينئذ غير صحيح، لأنه أصل مثبت، والاستصحاب ليس حجة على مثل هذه المثبتات، من غير فرق في ذلك بين أن يكون نفس المستصحب أمرا اعتباريا مجعولا، أو موضوعا تكوينيا خارجيا، فإن كل الملاك أن يبين الأصل وظيفة عملية للمكلف، وإلا كان التعبد بالبقاء من قبيل اللغو المحض.
فما في الكفاية - وتبعه آخرون - من أنه يكفي في جريان الاستصحاب مجرد أن يكون المستصحب أمرا مجعولا اعتباريا، ولذلك كان استصحاب الجزئية والملكية غير محتاج إلى ترتب أثر عملي، محل منع جدا، بل الأمور المجعولة في هذا المسباق كغيرها، وما لم يثبت بالاستصحاب وظيفة عملية كان لغوا وغير جار.
نعم، إن العناوين المأخوذة من الأمور الوضعية كعنوان الملك والحر والزوج والزوجة أمور تكون موضوعات الأحكام التكليفية، وببركة استصحابها يثبت تلك الأحكام، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. كما أن استصحاب نفس عناوين المعاملات يثبت هذه العناوين، وهذه العناوين موضوع لترتب آثار تكليفية أو وضعية، فببركة استصحاب هذه العناوين يثبت هذه الآثار والآثار المترتبة شرعا على هذه الآثار، فباستصحاب بقاء البيع يثبت ملكية كل من العوضين للمتعاقدين، ويثبت جواز تصرف كل منهما في ملكه، وحرمة التصرف في ملكه إلا بإذنه، وتمام الكلام بعهدة ما سيأتي بيانه - إن شاء الله - في الأمور الآتية، عند البحث عن عدم اعتبار الأصل المثبت، فارتقب حتى حين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله.
الأمر الرابع في اعتبار فعلية الشك إن مفهوم الشك هو التردد الحاصل بعد الالتفات إلى أمر، وقد أخذ عنوان