لا محذور فيه أيضا من حيث ترخيص المخالفة العملية القطعية إذا كان المفروض توصلية المركب أو الجزء والشرط، إلا أن مجرد ترخيص ترك الموافقة القطعية اللازم من إجرائها قطعا محذور يلزم الاجتناب عنه، لما عرفت هناك وأشرنا إليه هاهنا: أن الموافقة العملية القطعية في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف واجبة شرعا وعقلا، فلا محالة لا مجال لجريان أصل كان لازمه ترخيص تركها.
نعم، في ما كان لازم إجراء الأصول مجرد مخالفة قطعية علمية لا عملية، كما لو علم بتطهير أحد الثوبين المتنجسين، فإن استصحاب النجاسة قاض بنجاستهما، مع أنا نعلم بأن أحدهما طاهر، أو كان العلم الإجمالي غير موجب للعلم بتكليف غير ما كان معلوما قبله، كما لو علم سابقا بنجاسة ثوب بالبول - مثلا - وشك في تطهره، وعلم بطهارة ثوب آخر، ثم وقع قطرة بول يعلم إجمالا إصابتها لأحد الثوبين فإن استصحاب طهارة الثاني ونجاسة الأول جاريان، ولا يلزم منه تجويز ترك موافقة قطعية لازمة، إذ لم يلزم من العلم بإصابة هذه القطرة لأحد الثوبين إجمالا علم إجمالي بحدوث تكليف غير ما كان معلوما سابقا، فإجراء كل من الأصلين في موضوعه مما لا مانع عنه.
ومما ذكرنا يظهر موضع النظر في ما أفاده الأعلام، ولا سيما ما جعله الشيخ الأعظم (قدس سره) تحقيقا في المقام، والله العاصم.
الأمر الثامن: أن هذا الذي مر كله - كما هو واضح - إنما هو في ما كان التكليف وجوبا وإيجابا وأما إذا كان التكليف المفروض تحريم شئ فشك في جزئية شئ أو شرطيته للحرام أو مانعيته عنه فهل هو في إجراء البراءة أو الاحتياط مثل التكاليف الإيجابية، أم لا؟
والحق أن يقال: إن القدر المعلوم في التكليف بالحرام الذي شك في جزئية شئ أو شرطيته له أو مانعيته عنه أن الواجد للمشكوك الشرطية أو الجزئية والفاقد لمشكوك المانعية أو القاطعية حرام قطعا، وأما الخالي عن الجزء أو الشرط المشكوك أو المشتمل على مشكوك المانعية أو القاطعية فحرمته غير معلومة