خاتمة في تبين حال الاستصحاب مع الأصول والكلام - كما في الكفاية - في مقامين:
المقام الأول: في تبين حاله مع كل من أصل البراءة والاحتياط والتخيير.
أما أصل البراءة فلا ريب في وروده على العقلي منه فإن استصحاب موضوع التكليف أو نفسه حجة على التكليف، وكل حجة ينتفي بها موضوع قبح العقاب بلا بيان حقيقة فهو وارد على البراءة العقلية، سواء كانت مجرد حكم العقل أو مدلول الأدلة الشرعية أيضا.
وأما البراءة الشرعية المدلول عليها بمثل قوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن أمتي... ما لا يعلمون " وقوله (عليه السلام): " كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه " فالحق أن الاستصحاب حاكم عليها، وذلك أنه - وإن كان أصلا معتبرا - ليس طريقا إلى الواقع حتى يصدق عليه العلم، ولو بمعناه الأعم المراد في أدلة الأصول، فلا محالة ليس الاستصحاب واردا عليها، إلا أن لسان دليل اعتباره إنما هو النهي عن نقض اليقين عند الشك به، وحيث إن اليقين قد انتقض حقيقة بعروض الشك، وليس عدم انتقاضه بيد المكلف فالمراد من النهي عن نقضه ليس الأمر بإبقائه بحسب الحقيقة، فلا بد وأن يكون إبقاؤه إبقاء تعبديا عنوانيا، ويرجع النهي عن نقضه إلى أنه باق في محيط الشرع وعالم أحكامه، فلا محالة يترتب عليه أحكامه التي منها: أنه يتحقق به غاية الأصول الشرعية، فاستصحاب الحرمة من مصاديق عرفان الحرمة شرعا الذي ليس معه للحلية الظاهرية مجال، وهو أيضا علم بالحرمة تعبدا، الذي يخرج المورد معه من عنوان ما لا يعلمون، ولا يجري فيه الرفع أصلا، فكما أن قوله: " الفاسق ليس بعالم " أو " ولد العالم عالم " يوجب دخول غير الموضوع في موضوع الدليل بلسان التعبد فهكذا فيما نحن فيه.