مباحث الأمارات الظنية وقبل الخوض فيها ينبغي تقديم أمرين:
الأمر الأول في إمكان التعبد بالظن وامتناعه لا ريب في أن الظن بنفسه ليس يقتضى الطريقية، وإنما الكلام في أنه يقبل التعبد بطريقيته أم لا؟
فقد حكي عن ابن قبة امتناعه، لاستلزامه تحليل الحرام، وبالعكس، وقد بينه أساتذة الفن بأنه بعد ما كان التصويب باطلا فلنا حكم واقعي كما أنزله الله وأنشأه، وحكم ظاهري على ما يدل عليه الظن المتعبد به، فإن طابق الواقع لزم اجتماع المثلين في الملاك وفي مرحلة الحكم، وإن خالفه لزم التضاد أو التناقض في مرحلة الملاك وفي مرحلة جعل الأحكام، وربما أدى إلى طلب الضدين، كما يؤدي إلى تفويت المصلحة اللازمة الاستيفاء إذا اقتضى الظن عدم وجوب الواجب الواقعي، أو إلى الإيقاع في المفسدة إذا اقتضى عدم حرمة الحرام الواقعي.
وحق الجواب أن يقال: إن الأمارات إذا اعتبرت فهي طرق إلى الواقع لا غير، فإن العقلاء يرون خبر الواحد - مثلا - طريقا محضا إلى الواقع، يصلون به إلى الواقع، بحيث كان تمام الموضوع عندهم للآثار هو متن الواقع، ولو أخطأ فقد