متين، إلا أن هنا نكات يجب التنبيه عليها:
منها: أن الاستصحاب لا يختص بالأحكام الإلزامية، بل يجري في سائر الأحكام، اقتضائية كانت أم وضعية، بخلاف أصل البراءة فإنه مختص بالالزاميات، ولا تجري أدلتها نفيا أو إثباتا في احتمال الاستحباب أو الكراهة، فضلا عن الإباحة، في قبال الفراغ عن الحكم. وما أفاده (قدس سره) من: أنه يظهر حال المستحب والمكروه بالقياس إلى الواجب والحرام ممنوع، إذ لا يجري فيهما قاعدة قبح العقاب، ولا مثل حديث الرفع، والحجب، والسعة، لاختصاص القاعدة بمورد احتمال العقاب، واختصاص الأحاديث بما فيه كلفة وضيق محتاجة إلى رفع وسعة، والمستحب أو المكروه قد أذن الشارع في ترك امتثاله، فلا عقاب يحتمل في مورد احتماله، ولا كلفة فيه ولا ضيق، كما ليس فيهما شبهة الوقوع في الهلاك، فلا مجرى لأدلة القائلين بالاحتياط.
وأما أصل الاشتغال والتخيير فهما أيضا لا يجريان بحدودهما، لتقومهما بالإلزام. نعم، يمكن إجراء مشابههما، والأمر سهل.
ومنها: أنه إذا علم بجنس الإلزام وأمكن الاحتياط - مثل ما إذا علم بوجوب هذا أو حرمة ذاك فالظاهر أنه من مصاديق حكم العقل بوجوب الاحتياط، وأن العلم الإجمالي هنا كاف في التنجيز، مع أن مقتضى كلامه أنه خارج عن مورد قاعدة الاشتغال.
فالصحيح في بيان مجاري الأصول الأربعة أن يقال: إن موارد الشك: إما أن يلحظ فيها اليقين السابق على هذا الشك، وإما أنه لا يلحظ، لعدم وجوده، أو لعدم لحاظه فالأول: مورد الاستصحاب، وهو المقام الثاني. والثاني: إما أن لا يحتمل فيه تكليف إلزامي، وإما أن يحتمل. فالأول خارج عن مجاري الأصول الباقية.
والثاني: إما أن يكون أصل التكليف الإلزامي ولو بجنسه معلوما والشك وقع في نوعه أوفي متعلقه. وإما أن لا يعلم أصل التكليف، والثاني مورد أصل البراءة، والأول إن أمكن فيه الاحتياط فهو مجرى قاعدة الاشتغال، وإن لم يمكن فيه الاحتياط فهو