واقعية، وعبر عن كل منهما بالطهارة، غاية الأمر أن يكون لفظ الطهارة منصرفا إلى خصوص الواقعية، فلو أريد من الطهارة في الحديث الطهارة الظاهرية الثابتة بقاعدة الطهارة لكانت أمرا مستمرا بحقيقة الاستمرار إلى أن يحصل العلم بالقذارة، فإرادة الطهارة الظاهرية يبقى معها ظهور " حتى " في الاستمرار الحقيقي على حاله، بخلاف إرادة الواقعية فإن الاستمرار حينئذ يكون استمرارا ادعائيا.
ومن ناحية أخرى: أن ما أفاده (قدس سره) وتسلمه جمع آخر من أن إرادة القاعدة مستلزمة لكون الغاية قيدا للموضوع كما في قوله تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) * (1) فإن الغاية فيه بيان لحد اليد المأمور بغسلها ممنوع.
بل التحقيق الموافق لظاهر عبارة الحديث: أن موضوع الطهارة حينئذ أيضا هو نفس الشئ بلا تقييد صريح، إلا أن حكم الطهارة عليه مجعولة في ظرف عدم العلم بقذارته، وإلى أن يحدث العلم بها، فالشئ ما لم يعلم بطهارته ولا نجاسته طاهر حتى يعلم أنه قذر، فظاهر مفاد الحديث: أن الطهارة تثبت وتجعل على ذات الشئ في ظرف الجهل، ولازمه ورود ضيق ذاتي على الشئ لا يتحقق مع حكم الطهارة هذه إلا معنونا بعنوان مشكوك الطهارة، إلا أن ورود هذا الضيق الذاتي غير تعنونه بعنوان مشكوك الطهارة، وإلا فلكل موضوع ضيق ذاتي لا يشمل ما إذا لم يكن مصاحبا لمحموله، لكنه غير تقييد عنوانه بوصف المحمول، ولذلك لا تكون القضايا من قبيل الضرورية بشرط المحمول.
فبعد ذلك كله نقول: إن ظهور " حتى " في حقيقة الاستمرار التي لا تكون إلا في الطهارة الظاهرية قرينة على أن المراد به قاعدة الطهارة، وإلا فاستصحابها يقتضي أن يكون الاستمرار المدلول بلفظ " حتى " ادعائيا مجازيا.
وأنت تعلم أن لإرادة قاعدة الطهارة من الحديث كمال الملائمة مع الفقرة التالية: " فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك " كما لا يخفى.